للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها وحرام عليكم لحوم الأُتن الأهلية وخيلها وبغالها، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير" (١).

والرمكة: هي الحجرة، وقوله: حبلوها؛ أي: أوثقوها في الحبل ليذبحوها، والحظائر والبساتين القريبة من العمران، وكأن هذا الصنيع وقع بعد إعطائهم العهد ومعاملتهم على الشطر، والله أعلم، فلو صحَّ هذا الحديث لكان نصًا في تحريم لحوم الخيل، ولكن لا يقاوم ما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل (٢).

ورواه الإمام أحمد وأبو داود بإسنادين كل منهما على شرط مسلم عن جابر قال: ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل (٣).

وفي صحيح مسلم عن أسماء بنت أبي بكر قالت: نحرنا على عهد رسول الله فرسًا فأكلناه ونحن بالمدينة (٤).

فهذه أدلُّ وأقوى وأثبت، وإلى ذلك صار جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وأكثر السلف والخلف، والله أعلم.

وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: كانت الخيل وحشية، فدلّلها الله لإسماعيل بن إبراهيم (٥).

وذكر وهب بن منبه في إسرائيلياته أن الله خلق الخيل من ريح الجنوب، والله أعلم. فقد دلَّ النص على جواز ركوب هذه الدوابّ ومنها البغال، وقد أهديت إلى رسول الله بغلة فكان يركبها مع أنه قد نهى عن إنزاء الحمر على الخيل لئلا ينقطع النسل.

قال الإمام أحمد: حدثني محمد بن عبيد، حدثنا عمر من آل حذيفة عن الشعبي، عن دحية الكلبي قال: قلت يا رسول الله، ألا أحمل لك حمارًا على فرس فتنتج لك بغلًا فتركبها؟ قال: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون" (٦).

﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)﴾.

لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يسار عليه في السبل الحسية، نبّه على الطرق المعنوية الدينية،


(١) المسند ٤/ ١٩ وفي سنده أيضًا صالح بن يحيى بن المقدام.
(٢) صحيح البخاري، المغازي، باب غزوة خيبر (ح ٤٢١٩)، وصحيح مسلم، الصيد، باب في أكل لحوم الخيل (ح ١٩٤١).
(٣) المسند ٣/ ٣٥٦، وسنن أبي داود، الأطعمة، باب أكل لحوم الخيل (ح ٣٧٨٩) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٢١٩).
(٤) صحيح مسلم، الصيد، باب في أكل لحوم الإبل (ح ١٩٤٢).
(٥) سنده صحيح.
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وقال محققوه: صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه، الشعبي لم يسمع من دحية الكلبي. اهـ. ثم ذكروا له شاهدًا صحيح السند (المسند ٣١/ ٩٠ ح ١٨٧٩٣).