للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عباد، أن الله لما خلق الأرض جعلت تمور، فقالت الملائكة: ما هذه بمقرة على ظهرها أحدًا، فأصبحت صبحًا وفيها رواسيها (١).

وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثني حجاج بن منهال، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حبيب، عن علي بن أبي طالب قال: لما خلق الله الأرض قَمصت (٢) وقالت: أي ربِّ تجعل عليَّ بني آدم يعملون الخطايا ويجعلون عليَّ الخبث؟ قال: فأرسى الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون، فكان إقرارها كاللحم يترجرج (٣).

وقوله: ﴿وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا﴾ أي: جعل فيها أنهارًا تجري من مكان إلى مكان آخر رزقًا للعباد، ينبع في موضع وهو رزق لأهل موضع آخر، فيقطع البقاع والبراري والقفار، ويخترق الجبال والآكام، فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله وهي سائرة في الأرض يمنة ويسرة، وجنوبًا وشمالًا، وشرقًا وغربًا، ما بين صغار وكبار، وأودية تجري حينًا وتنقطع في وقت، وما بين نبع وجمع، وقوي السير وبطيئه بحسب ما أراد وقدر وسخر ويسر، فلا إله إلا هو ولا رب سواه، وكذلك جعل فيها سبلًا أي: طرقًا يسلك فيها من بلاد إلى بلاد حتى إنه تعالى ليقطع الجبل حتى يكون ما بينهما ممرًا ومسلكًا، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا﴾ [الأنبياء: ٣١].

وقوله: ﴿وَعَلَامَاتٍ﴾ أي: دلائل من جبال كبار وآكام صغار ونحو ذلك، يستدل بها المسافرون برًا وبحرًا إذا ضلوا الطرق.

وقوله: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ أي: في ظلام الليل، قاله ابن عباس (٤).

وعن مالك في قوله: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)﴾ يقول: النجوم وهي الجبال (٥).

ثم نبه تعالى على عظمته وأنه لا تنبغي العبادة إلا له دون ما سواه من الأوثان التي لا تخلق شيئًا بل هم يخلقون، ولهذا قال: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٧)﴾ ثم نبههم على كثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم، فقال: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)﴾ أي: يتجاوز عنكم، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم، ولكنه غفور رحيم، يغفر الكثير ويجازي على اليسير.

وقال ابن جرير: يقول: إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته، رحيم بكم لا يعذبكم بعد الإنابة والتوبة (٦).


(١) أخرجه الطبري من طريق سعيد به، وسنده صحيح لكنه مرسل لأن قيس بن عباد تابعي، ويتقوى بالرواية التالية.
(٢) أي: اضطربت.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن، وله حكم الرفع.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس، ومعناه صحيح.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن الكلبي، ولم أجد من أخرجه عن مالك.
(٦) ذكره الطبري بنحوه.