يخبر تعالى أنه يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر، وسيجزي كل عامل بعمله يوم القيامة، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. ثم أخبر أن الأصنام التي يدعونها من دون الله لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون، كما قال الخليل: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)﴾ [الصافات].
وقوله: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ أي: هي جمادات لا أرواح فيها، فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ أي: لا يدرون متى تكون الساعة، فكيف يرتجى عند هذه نفع أو ثواب أو جزاء؟ إنما يرجى ذلك من الذي يعلم كل شيء وهو خالق كل شيء.
يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو الواحد الأحد الفرد الصمد، وأخبر أن الكافرين تنكر قلوبهم ذلك، كما أخبر عنهم متعجبين من ذلك ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)﴾ [ص] وقال تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)﴾ [الزمر] وقوله: ﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ أي: عن عبادة الله مع إنكار قلوبهم لتوحيده كما قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠] ولهذا قال ههنا: ﴿لَا جَرَمَ﴾ أي: حقًّا ﴿أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي: وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾.
يقول تعالى: وإذا قيل لهؤلاء المكذبين: ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا﴾ معرضين عن الجواب ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي: لم ينزل شيئًا، إنما هذا الذي يتلى علينا أساطير الأولين؛ أي: مأخوذ من كتب المتقدمين، كما قال تعالى: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)﴾ [الفرقان] أي: يفترون على الرسول ويقولون أقوالًا متضادة مختلفة كلها باطلة، كما قال تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٩)﴾ [الفرقان] وذلك أن كل من خرج عن الحق فمهما قال أخطأ، وكانوا يقولون: ساحر وشاعر وكاهن ومجنون، ثم استقر أمرهم إلى ما اختلقه لهم شيخهم الوحيد المسمى بالوليد بن المغيرة المخزومي (١) لما ﴿فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)﴾ [المدثر] أي: ينقل ويحكى، فتفرقوا عن قوله ورأيه قبحهم الله