للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حيلة وأمالوهم إلى شركهم بكل وسيلة، كما يقول لهم أتباعهم يوم القيامة: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ الآية [سبأ: ٣٣].

وقوله: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ أي: اجتثه من أصله وأبطل عملهم، كقوله تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾ [المائدة: ٦٤].

﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر: ٢]، وقال الله ههنا: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦)

﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ﴾ أي: يظهر فضائحهم، وما كانت تجنه ضمائرهم فيجعله علانية، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)[الطارق] أي: تظهر وتشتهر كما في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند أسته بقدر غدرته، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان" (١) وهكذا يظهر للناس ما كانوا يسرونه من المكر ويخزيهم الله على رؤوس الخلائق ويقول لهم الربُّ مقرعًا لهم وموبخًا ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾ تحاربون وتعادون في سبيلهم أين هم عن نصركم وخلاصكم ههنا؟ ﴿هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشعراء: ٩٣] ﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (١٠)[الطارق] فإذا توجهت عليهم الحجة وقامت عليهم الدلالة، وحقَّت عليهم الكلمة وسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار ﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ وهم السادة في الدنيا والآخرة، والمخبرون عن الحق في الدنيا والآخرة، فيقولون حينئذٍ: ﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ أي: الفضيحة والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله وأشرك به ما لا يضره ولا ينفعه.

﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩)﴾.

يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمين أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم الخبيثة ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ﴾ أي: أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين: ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ كما يقولون يوم المعاد ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ [المجادلة: ١٨] قال الله مكذبًا لهم في قيلهم ذلك ﴿بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩)﴾ أي: بئس المقيل والمقام والمكان من دار هوان لمن كان متكبرًا عن آيات الله واتباع رسله، وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم، وينال أجسادهم في قبورها من حرها وسمومها، فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم وخلدت في نار جهنم ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: ٣٦] كما قال الله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)[غافر].


(١) صحيح البخاري، الجزية والموادعة، باب إثم الغادر للبر والفاجر (ح ٣١٨٨)، وصحيح مسلم، الجهاد، باب تحريم الغدر (ح ١٧٣٧).