للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢)﴾.

يخبر تعالى عن حلمه بخلقه مع ظلمهم وأنه لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة أي: لأهلك جميع دواب الأرض تبعًا لإهلاك بني آدم، ولكن الربَّ يحلم ويستر، وينظر إلى أجل مسمى أي: لا يعاجلهم بالعقوبة، إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحدًا.

قال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص أنه قال: كاد الجُعَل (١) أن يعذب بذنب بني آدم، وقرأ الآية ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ وكذا روى الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: كاد الجُعَل أن يهلك في جحره بخطيئة بني آدم (٢).

وقال ابن جرير: حدثني محمد بن المثنى، حدثنا إسماعيل بن حكيم الخزاعي، حدثنا محمد بن جابر الحنفي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة قال: سمع أبو هريرة رجلًا وهو يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه (٣)، قال: فالتفت إليه، فقال: بلى والله حتى إن الحباري (٤) لتموت في وكرها بظلم الظالم (٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، أنبأنا الوليد بن عبد الملك، حدثنا عبيد الله بن [مسرِّح] (٦)، حدثنا سليمان بن عطاء، عن مسلمة بن عبد الله، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي، عن أبي الدرداء قال: ذكرنا عند رسول الله فقال: "إن الله لا يؤخر شيئًا إذا جاء أجله، وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة يرزقها الله العبد، فيدعون له من بعده فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادة العمر" (٧).

وقوله: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ أي: من البنات ومن الشركاء الذين هم عبيده، وهم يأنفون أن يكون عند أحدهم شريك له في ماله.

وقوله: ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ إنكار عليهم في دعواهم مع ذلك أن لهم الحسنى في الدنيا وإن كان ثم معاد ففيه أيضًا لهم الحسنى، وإخبار عن قيل من قال منهم،


(١) هو حيوان مثل الخنفساء.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ١٣/ ٣٠٠) والطبري كلاهما من طريق سفيان الثوري به، وسنده صحيح إلى أبي الأحوص لكنه مرسل.
(٣) أخرجه ابن أبي الدنيا (العقوبات ص ٢٧٣) والطبري كلاهما من طريق الأعمش به، وسنده ضعيف لأن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله بن مسعود.
(٤) هو طائر شبيه بالوزّة.
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده محمد بن جابر الحنفي صدوق ذهبت كتبه فساء حفظه وخلط كثيرًا وعمي فصار يُلقن (التقريب ص ٤٧١).
(٦) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل صُحف إلى: "شرح".
(٧) سنده ضعيف لضعف سليمان بن عطاء (الضعفاء الكبير ٢/ ١٣٤، ومجمع الزوائد ٧/ ١٩٨).