وقال ههنا: ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ قيل: اللام ههنا لام العاقبة. وقيل: لام التعليل بمعنى قيضنا لهم ذلك ليكفروا؛ أي: يستروا ويجحدوا نعم الله عليهم وأنه المُسدي إليهم النعم، الكاشف عنهم النقم، ثم توعدهم قائلًا: ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ أي: اعملوا ما شئتم وتمتعوا بما أنتم فيه قليلًا ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ أي: عاقبة ذلك.
يخبر تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان والأنداد بغير علم، وجعلوا للأوثان نصيبًا مما رزقهم الله فقالوا: ﴿هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٦] أي: جعلوا لآلهتهم نصيبًا مع الله وفضلوها على جانبه، فأقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه وائتفكوه وليقابلنَّهم عليه، وليجازينَّهم أوفر الجزاء في نار جهنم، فقال: ﴿تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾.
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا، وجعلوها بنات الله فعبدوها معه، فأخطأوا خطأ كبيرًا في كل مقام من هذه المقامات الثلاث، فنسبوا إليه تعالى أن له ولدًا ولا ولد له، ثم أعطوه أخسَّ القسمين من الأولاد وهو البنات، وهم لا يرضونها لأنفسهم، كما قال: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢)﴾ [النجم].
وقوله: ﴿وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ أي: يختارون لأنفسهم الذكور ويأنفون لأنفسهم من البنات التي نسبوها إلى الله، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا، فإنه ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ أي: كئيبًا من الهم ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ ساكت من شدة ما هو فيه من الحزن،
﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ﴾ أي: يكره أن يراه الناس من ﴿سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا﴾ أي: إن أبقاها أبقاها مهانة لا يورثها ولا يعتني بها، ويفضل أولاده الذكور عليها ﴿أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾ أي: يئدها وهو أن يدفنها فيه حية كما كانوا يصنعون في الجاهلية، أفمن يكرهونه هذه الكراهة ويأنفون لأنفسهم عنه يجعلونه لله؟ ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي: بئس ما قالوا، وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إليه، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧)﴾ [الزخرف]
وقال ههنا: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ﴾ أي: النقص إنما ينسب إليهم ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ أي: الكمال المطلق من كل وجه وهو منسوب إليه ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.