للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مجاهد أيضًا: سجود كل شيء فيؤه، وذكر الجبال (١)، قال: سجودها فيؤها.

وقال أبو غالب الشيباني: أمواج البحر صلاته (٢)، ونزلهم منزلة من يعقل إذ أسند السجود إليهم فقال: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ﴾ كما قال: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [الرعد: ١٥].

وقوله: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي: تسجد لله؛ أي: غير مستكبرين عن عبادته ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ أي: يسجدون خائفين وجلين من الربِّ ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ أي: مثابرين على طاعته تعالى وامتثال أوامره، وترك زواجره.

﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥)﴾.

يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو، وأنه لا ينبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، فإنه مالك كل شيء وخالقه وربه ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وميمون بن مهران والسدي وقتادة وغير واحد: أي: دائمًا (٣).

وعن ابن عباس أيضًا: أي واجبًا (٤).

وقال مجاهد: أي خالصًا له (٥)، أي له العبادة وحده ممن في السماوات والأرض، كقوله: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)[آل عمران] هذا على قول ابن عباس وعكرمة، فيكون من باب الخبر، وأما على قول مجاهد فإنه يكون من باب الطلب؛ أي: ارهبوا أن تشركوا بي شيئًا وأخلصوا لي الطاعة، كما في قوله تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر: ٣].

ثم أخبر أنه مالك النفع والضر، وأن ما بالعباد من رزق ونعمة وعافية ونصر فمن فضله عليهم، وإحسانه إليهم ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ أي: لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو فإنكم عند الضرورات تلجأون إليه وتسألونه وتلحون في الرغبة إليه مستغيثين به، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج عن مجاهد بنحوه، وابن جريج لم يسمع من مجاهد.
(٢) ذكره السيوطي ونسبه إلى ابن أبي حاتم.
(٣) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه سفيان بن وكيع فيه مقال ويتقوى بالآثار التالية: فقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول عكرمة أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أبي حصين عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٤) أخرجه الطبري من طريق يعلى بن النعمان عن عكرمة عن ابن عباس ويعلى ترجم له البخاري في التاريخ الكبير وسكت عنه وكذلك ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "الأخلاص".