للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ ما بين أبيض وأصفر وأحمر وغير ذلك من الألوان الحسنة على اختلاف مراعيها ومأكلها منها. وقوله: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ أي: في العسل شفاء للناس؛ أي: من أدواء تعرض لهم، قال بعض من تكلم على الطب النبوي: لو قال فيه الشفاء للناس، لكان دواء لكل داء، ولكن قال فيه شفاء للناس؛ أي: يصلح لكل أحد من أدواء باردة، فإنه حار والشيء يداوى بضده.

وقال مجاهد بن جبر في قوله: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ يعني: القرآن (١)، وهذا قول صحيح في نفسه، ولكن ليس هو الظاهر ههنا من سياق الآية، فإن الآية إنما ذكر فيها العسل، ولم يتابع مجاهد على قوله ههنا، وإنما الذي قاله ذكروه في قوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: ٨٢] وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧)[يونس].

والدليل على أن المراد بقوله تعالى: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ هو العسل، الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من رواية قتادة عن أبي المتوكل علي بن داود الناجي، عن أبي سعيد الخدري أن رجلًا جاء إلى رسول الله فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال: "اسقه عسلًا" فذهب فسقاه عسلًا، ثم جاء فقال: يا رسول الله سقيته عسلًا، فما زاده إلا استطلاقًا، قال: "اذهب فاسقه عسلًا" فذهب فسقاه عسلًا، ثم جاء فقال: يا رسول الله، ما زاده إلا استطلاقًا، فقال رسول الله : "صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلًا" فذهب فسقاه فبرئ (٢).

قال بعض العلماء بالطب: كان هذا الرجل عنده فضلات، فلما سقاه عسلًا وهو حار تحلَّلت، فأسرعت في الاندفاع فزاده إسهالًا، فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره وهو مصلحة لأخيه، ثم سقاه فازداد التحليل والدفع، ثم سقاه فكذلك، فلما اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن، استمسك بطنه، وصلح مزاجه، واندفعت الأسقام والآلام ببركة إشارته، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.

وفي الصحيحين من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله كان يعجبه الحلواء والعسل، هذا لفظ البخاري (٣).

وفي صحيح البخاري من حديث سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي" (٤).


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ليث عن مجاهد، وليث هو ابن أبي سُليم فيه مقال.
(٢) صحيح البخاري، الطب، باب الدواء بالعسل (ح ٥٦٨٤)، وصحيح مسلم، السلام، باب التداوي بسقي العسل (ح ٢٢١٧).
(٣) صحيح البخاري، الأشربة، باب شراب الحلواء والعسل (ح ٥٦١٤)، وصحيح مسلم، الطلاق باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق (ح ١٤٧٤).
(٤) صحيح البخاري، الطب، باب الشفاء في ثلاث (ح ٥٦٨٠).