للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن يشتد كما وردت السُّنة بذلك ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ ناسب ذكر العقل ههنا فإنه أشرف ما في الإنسان، ولهذا حرَّم الله على هذه الأمة الأشربة المسكرة صيانة لعقولها، قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (٣٦)[يس]

﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩)﴾.

المراد بالوحي هنا الإلهام والهداية، والإرشاد للنحل أن تتخذ من الجبال بيوتًا تأوي إليها، ومن الشجر ومما يعرشون، ثم هي محكمة في غاية الإتقان في تسديسها ورصِّها بحيث لا يكون في بيتها خلل.

ثم أذِن لها تعالى إذنًا قدريًا تسخيريًا أن تأكل من كل الثمرات، وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى مذللة لها؛ أي: مسهلة عليها حيث شاءت من هذا الجو العظيم، والبراري الشاسعة، والأودية والجبال الشاهقة،

ثم تعود كل واحدة منها إلى بيتها لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة، بل إلى بيتها وما لها فيه من فراخ وعسل، فتبني الشمع من أجنحتها وتقيء العسل من فيها، وتبيض الفراخ من دُبرها، ثم تصبح إلى مراعيها.

وقال قتادة (١) وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ﴿فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا﴾ أي: مطيعة، فجعلاه حالًا من السالكة، قال ابن زيد: وهو كقول الله تعالى: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢)[يس] (٢) قال: ألا ترى أنهم ينقلون النحل ببيوته من بلد إلى بلد وهو يصحبهم؟ والقول الأول هو الأظهر، وهو أنه حال من الطريق؛ أي: فاسلكيها مذللة لك، نصّ عليه مجاهد (٣).

وقال ابن جرير: كلا القولين صحيح (٤).

وقد قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سُكينٍ بن عبد العزيز، عن أبيه، عن أنس قال: قال رسول الله : "عمرُ الذباب أربعون يومًا، والذباب كلُّه في النار إلا النحل" (٥).


(١) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن ابن زيد بنحوه.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) ذكره الطبري بنحوه.
(٥) أخرجه أبو يعلى بسنده ومتنه (المسند ٧/ ٢٣١ ح ٤٢٣١)، والحديث ضعيف سندًا ومتنًا، فسنده فيه عبد العزيز بن قيس العبدي قال أبو حاتم: مجهول (ينظر: تهذيب التهذيب ٦/ ٣٥٢) وشقه الأول ضعيف لأن الذباب يعيش أكثر من أربعين يومًا. وجعله ابن الجوزي في الموضوعات ٣/ ٢٦٦، وحسنه البوصيري كما في حاشية المطالب العالية ٢/ ٢٩٦، والحق الوسط وهو أن الحديث ضعيف.