للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦)[الإسراء]. وقوله: ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ فالفواحش المحرمات، والمنكرات ما ظهر منها من فاعلها، ولهذا قال في الموضع الآخر: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأعراف: ٣٣] وأما البغي فهو العدوان على الناس، وقد جاء في الحديث: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" (١).

وقوله: ﴿يَعِظُكُمْ﴾ أي: يأمركم بما يأمركم به من الخير وينهاكم عما ينهاكم عنه من الشر ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وقال الشعبي، عن شتير بن شكل: سمعت ابن مسعود يقول: إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ الآية، رواه ابن جرير (٢).

وقال سعيد، عن قتادة قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ الآية ليس من خلق حسن، كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم، إلا نهى الله عنه وقدم فيه. وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامِّها (٣).

(قلت): ولهذا جاء في الحديث: "إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها" (٤).

وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب "معرفة الصحابة": حدثنا أبو بكر محمد بن الفتح الحنبلي، حدثنا يحيى بن محمد مولى بني هاشم، حدثنا الحسن بن داود المنكدري، حدثنا عمر بن علي المقدمي، عن علي بن عبد الله بن عمير، عن أبيه، قال: بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي فأراد أن يأتيه، فأبى قومه أن يدعوه وقالوا: أنت كبيرنا لم تكن لتخف إليه، قال: فليأته من يبلغه عني ويبلغني عنه، فانتدب رجلان فأتيا النبي فقالا: نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت، وما أنت؟ فقال النبي : "أما من أنا فأنا محمد بن عبد الله، وأما ما أنا؟ فأنا عبد الله ورسوله" قال: ثم تلا عليهم هذه الآية ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ الآية، قالوا: اردد علينا هذا القول، فردَّده عليهم حتى حفظوه، فأتيا أكثم فقالا: أبى أن يرفع نسبه، فسألنا عن نسبه فوجدناه زاكي النسب وسطًا في مضر - أي: شريفًا - وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها، فلما سمعهنَّ أكثم قال: إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسًا ولا تكونوا أذنابًا (٥).

وقد ورد في نزولها حديث حسن رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، حدثني عبد الله بن عباس قال: بينما رسول الله بفناء بيته جالس إذ مر به


(١) أخرجه أبو داود (السنن، الأدب، باب النهي عن البغي ح ٢٩٠٢)، والترمذي وقال: حسن صحيح (السنن، صفة القيامة ح ٢٥١١) والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٥٦)، كلهم من حديث أبي بكرة وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ح ٩١٨).
(٢) أخرجه الطبري من طريق الشعبي به وسنده حسن، وأخرجه الطبري من طريق الشعبي أيضًا (المعجم الكبير ح ٨٦٥٩) وأخرجه الحاكم من طريق الشعبي به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٥٦).
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) أخرجه الخرائطي (مكارم الأخلاق ح ٢٣)، والحاكم كلاهما من حديث سهل بن سعد وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ٤٨) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ح ١٣٧٨).
(٥) معرفة الصحابة لأبي نعيم ٢/ ٤٢٠ وذكره ابن عبد البر وأنكر كون أكثم بن صيفي من الصحابة (الاستيعاب ١/ ١٤٦)، ولهذا حكم عليه الحافظ ابن حجر بأنه مرسل (الإصابة ١/ ١١٩).