للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ قال ابن مسعود: قد بيَّن لنا هذا القرآن كل علم وكل شيء (١).

وقال مجاهد: كل حلال وكل حرام (٢)، وقول ابن مسعود أعم وأشمل، فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق وعلم ما سيأتي، وكل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم ﴿وَهُدًى﴾ أي: للقلوب ﴿وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.

وقال الأوزاعي: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ أي: بالسنة (٣).

ووجه اقتران قوله: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ مع قوله: ﴿وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ﴾ أن المراد - والله أعلم - إن الذي فرض عليك تبليغ الكتاب الذي أنزله عليك سائلك عن ذلك يوم القيامة ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)[الأعراف] ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)[الحجر] ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١٠٩)[المائدة]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] أي: إن الذي أوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إليه ومعيدك يوم القيامة وسائلك عن أداء ما فرض عليك. هذا أحد الأقوال، وهو مُتَّجه حسن.

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)﴾.

يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنة، ويندب إلى الإحسان، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦)[النحل]، وقوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ٤٠]، وقال: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على شرعية العدل والندب إلى الفضل.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ قال: شهادة أن لا إله إلا الله (٤).

وقال سفيان بن عيينة: العدل في هذا الموضع هو استواء السريرة والعلانية من كل عامل لله عملًا، والإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته، والفحشاء والمنكر أن تكون علانيته أحسن من سريرته (٥).

وقوله: ﴿وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ أي: يأمر بصلة الأرحام، كما قال: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق رجل مبهم عن ابن مسعود.
(٢) أخرجه الطبري بعدة أسانيد يقوي بعضها بعضًا.
(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور ونسبه إلى ابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة به.
(٥) أخرجه الطبري معلقًا عن سفيان بن عيينة.