للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أيوب، حدثني شرحبيل بن أبي شريك، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: "قد أفلح من أسلم، ورزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه" (١)، ورواه مسلم من حديث عبد الله بن يزيد المقري به (٢).

وروى الترمذي والنسائي من حديث أبي هانئ عن أبي علي الجنبي، عن فضالة بن عُبيد أنه سمع رسول الله يقول: "قد أفلح من هدي للإسلام، وكان عيشه كفافًا وقنع به". وقال الترمذي: هذا حديث صحيح (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا همام [بن] (٤) يحيى، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : "إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يعطى بها خيرًا" (٥)، انفرد بإخراجه مسلم (٦).

﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)﴾.

هذا أمر من الله تعالى لعباده على لسان نبيه إذا أرادوا قراءة القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، وهذا أمر ندب ليس بواجب، حكى الإجماع على ذلك أبو جعفر بن جرير وغيره من الأئمة. وقد قدمنا الأحاديث الواردة في الاستعاذة مبسوطة في أول التفسير، ولله الحمد والمنة.

والمعنى في الاستعاذة عند ابتداء القراءة لئلا يلبس على القارئ قراءته، ويخلط عليه ويمنعه من التدبر والتفكر، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة، وحكي عن حمزة وأبي حاتم السجستاني أنها تكون بعد التلاوة، واحتجا بهذه الآية (٧)، ونقل النووي في شرح المهذب مثل ذلك عن أبي هريرة أيضًا ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي والصحيح الأول لما تقدم من الأحاديث الدالة على تقدمها على التلاوة، والله أعلم.

وقوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩)﴾ قال الثوري: ليس له عليهم سلطان أن يوقعهم في ذنب لا يتوبون منه (٨).


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ١٦٨) وسنده صحيح.
(٢) صحيح مسلم، الزكاة، باب الكفاف والقناعة (ح ١٠٥٤).
(٣) سنن الترمذي، الزهد، باب ما جاء في الكفاف والصبر (ح ٢٣٤٩)، والسنن الكبرى، الرقاق (ح ١١٠٣٣)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ١٩١٥).
(٤) كذا في (حم) و (مح) والمسند، وفي الأصل صحف إلى: "عن".
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وصحح سنده محققوه (المسند ١٩/ ٢٦٦ ح ١٢٢٣٧).
(٦) صحيح مسلم، صفات المنافقين، باب جزاء المؤمن بحسناته … (ح ٢٨٠٨).
(٧) احتجوا بذلك على أن إعراب الفاء في قوله تعالى: ﴿فَاسْتَعِذْ﴾ حرف عطف للتعقيب والترتيب، والصحيح أن الفاء رابطة لجواب الشرط.
(٨) أخرجه الطبري معلقًا من طريق زافر بني سليمان عن الثوري ووصله ابن أبي الدنيا بسند حسن من طريق زافر به (التوكل ٢٥).