للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اليسير بقدر ما يرد جواب الخطاب فيما لا بدّ منه، فلهذا قال الله تعالى: رادًّا عليهم في افترائهم ذلك ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ أي: القرآن، أي: فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن في فصاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة التي هي أكمل من معاني كل كتاب نزل على نبي أُرسل، كيف يتعلم من رجل أعجمي؟ لا يقول هذا من له أدنى مُسكة من العقل!

قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة: كان رسول الله فيما بلغني - كثيرًا ما يجلس عند المروة إلى مبيعة غلام نصراني يقال له جبر، عبد لبعض بني الحضرمي، فأنزل الله ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)(١). وكذا قال عبد الله بن كثير، وعن عكرمة وقتادة: كان اسمه يعيش (٢).

وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن محمد الطوسي، حدثنا أبو عامر، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن مسلم بن عبد الله الملائي، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: كان رسول الله يعلم قينًا (٣) بمكة، وكان اسمه بلعام (٤)، وكان أعجمي اللسان، وكان المشركون يرون رسول الله يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام، فأنزل الله هذه الآية ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)(٥).

وقال الضحاك بن مزاحم: هو سلمان الفارسي (٦)، وهذا القول ضعيف، لأن هذه الآية مكية، وسلمان إنما أسلم بالمدينة.

وقال عبيد الله بن مسلم: كان لنا غلامان روميان يقرآن كتابًا لهما بلسانهما فكان النبي يمرُّ بهما فيقوم فيسمع منهما، فقال المشركون: يتعلم منهما، فأنزل الله هذه الآية (٧).

وقال الزهري، عن سعيد بن المسيب: الذي قال ذلك من المشركين رجل كان يكتب الوحي لرسول الله فارتدَّ بعد ذلك عن الإسلام وافترى هذه المقالة (٨)، قبحه الله.


(١) ذكره ابن هشام (السيرة النبوية ١/ ٣٩٣)، وسنده ضعيف لأن ابن إسحاق رواه بلاغًا، ويتقوى بالروايات التالية.
(٢) قول عكرمة أخرجه الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عنه، وسنده صحيح لكنه مرسل يتقوى بالمرسل الصحيح عن قتادة الذي أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، أما قول عبد الله بن كثير أن اسم الغلام: جبر، فقد أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين وهو ابن داود: ضعيف.
(٣) القين هو الحداد والصائغ.
(٤) هو بلعام القين ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة ١/ ١٦٩.
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده مسلم الملائي ضعيف كما في التقريب.
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام شيخ الطبري، والضحاك من أتباع التابعين فالسند معضل أيضًا.
(٧) أخرجه الطبري والواحدي (أسباب النزول ص ٢٨٧)، كلاهما من طريق حُصين عن عبيد الله بن مسلم وصحح سنده الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر تخريج البغوي من هذا الطريق (الإصابة ٢/ ٤٣٩) وقد صحف في تفسير الطبري فورد بإسم عبد الله بن مسلم، والصواب عبيد الله بن مسلم وهو صحابي كما ذكر ابن أبي حاتم (الجرح والتعديل ٥/ ٣٣٢) وتهذيب التهذيب ٧/ ٢٤٨.
(٨) أخرجه الطبري من طريق الزهري به وسنده صحيح لكنه مرسل.