للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن أبي عبيدة محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي ، فقال النبي : "كيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئنًا بالإيمان. قال النبي : "إن عادوا فعد" (١). ورواه البيهقي بأبسط من ذلك، وفيه أنه سبَّ النبي ، وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك للنبي فقال: يا رسول الله ما تركت حتى سببتُك وذكرت آلهتهم بخير، قال: "كيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئنًا بالإيمان، فقال: "إن عادوا فعد"، وفي ذلك أنزل الله ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ (٢).

ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يأبى كما كان بلال يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى إنهم ليضعوا الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه بالشرك بالله فيأبى عليهم، وهو يقول: أحد، أحد. ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها، وأرضاه.

وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ فيقول: نعم. فيقول: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول: لا أسمع. فلم يزل يقطعه إربًا إربًا وهو ثابت على ذلك (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن عكرمة أن عليًا حرق ناسًا ارتدُّوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله قال: "لا تعذبوا بعذاب الله" وكنت أقاتلهم بقول رسول الله : "من بدل دينه فاقتلوه" فبلغ ذلك عليًا فقال: ويح أم ابن عباس (٤)، رواه البخاري (٥).

وقال الإمام أحمد أيضًا: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أيوب، عن حميد بن هلال العدوي، عن أبي بردة قال: قدم على أبي موسى معاذ بن جبل باليمن، فإذا رجل عنده، قال: ما هذا؟ قال: رجل كان يهوديًا فأسلم، ثم تهوَّد ونحن نريده على الإسلام منذ قال أحسبه شهرين، فقال: والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه، فضربت عنقه، فقال: قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه أو قال: "من بدَّل دينه فاقتلوه" (٦). وهذه القصة في الصحيحين بلفظ آخر (٧).

والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه ولو أفضى إلى قتله، كما ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمي أحد الصحابة أنه أسرته الروم، فجاءوا به إلى ملكهم فقال


= الطبري من طريق جرير به، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول أبي مالك أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق حُصين عنه وهذه المراسيل يقوي بعضها بعضًا.
(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح لكنه مرسل (ينظر: فتح الباري ١٢/ ٣١٢)، ويشهد له ما سبق.
(٢) أخرجه البيهقي من طريق عبد الكريم الجزري به (السنن الكبرى ٨/ ٢٠٨) وسنده كسابقه.
(٣) ينظر: أُسد الغابة ١/ ٤٤٣.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٢١٧) وسنده صحيح.
(٥) صحيح البخاري، استتابة المرتدين، باب حكم المرتد والمرتدة (ح ٦٩٢٢).
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ٢٣١) وسنده صحيح.
(٧) صحيح البخاري، الموضع السابق (ح ٦٩٢٣) وصحيح مسلم، كتاب الإمارة (ح ١٧٣٣).