للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ضيقنا عليهم ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ أي: فاستحقوا ذلك، كما قال: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠)[النساء].

ثم أخبر تعالى تكرمًا وامتنانًا في حق العصاة المؤمنين أن من تاب منهم إليه تاب عليه، فقال: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل.

﴿ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ أي: أقلعوا عما كانوا فيه من المعاصي وأقبلوا على فعل الطاعات ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا﴾ أي: تلك الفعلة والزلة ﴿لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣)﴾.

يمدح تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ووالد الأنبياء، ويبرئه من المشركين ومن اليهودية والنصرانية، فقال: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا﴾ فأما الأُمة: فهو الإمام الذي يقتدى به، والقانت: هو الخاشع المطيع، والحنيف: المنحرف قصدًا عن الشرك إلى التوحيد، ولهذا قال: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

قال سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العبيدين: أنه سأل عبد الله بن مسعود عن الأُمة القانت، فقال: الأمة معلم الخير، والقانت: المطيع لله ورسوله (١).

وعن مالك قال: قال ابن عمر: الأمة الذي يعلِّم الناس دينهم (٢).

وقال الأعمش، عن يحيى بن الجزار، عن أبي العبيدين أنه جاء إلى عبد الله فقال: من نسأل إذا لم نسألك؟ فكأن ابن مسعود رقَّ له، فقال: أخبرني عن الأُمة، فقال: الذي يعلِّم الناس الخير (٣).

وقال الشعبي: حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال ابن مسعود: إن معاذًا كان أمةً قانتًا لله حنيفًا، فقلت في نفسي: غلط أبو عبد الرحمن، وقال إنما قال الله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ فقال: أتدري ما الأُمة وما القانت؟ قلت: الله أعلم، فقال: الأُمة الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله ورسوله (٤)، وكذلك كان معاذ. وقد روي من غير وجه عن ابن مسعود، أخرجه ابن جرير (٥).

وقال مجاهد: أُمة؛ أي: أُمة وحده، والقانت المطيع (٦).


(١) أخرجه الطبري من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري به وسنده صحيح.
(٢) سنده منقطع لأن مالكًا لم يسمع من ابن عمر، ويشهد له سابقه ولاحقه.
(٣) أخرجه الطبري من طريق الأعمش عن الحكم عن يحيى بن الجزار به وسنده حسن.
(٤) أخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن فراس به وأخرجه الحاكم من طريق عبد الرزاق به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٥٨)، وأخرجه الطبراني (المعجم الكبير ١٠/ ٧٠ ح ٩٩٤٣) من طريق الثوري به وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٧/ ٤٩).
(٥) أخرجه الطبري من عدة طرق عن ابن مسعود.
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.