للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مجاهد أيضًا: كان إبراهيم أُمة أي: مؤمنًا وحده والناس كلهم إذ ذاك كفار.

وقال قتادة: كان إمام هدى، والقانت المطيع لله (١).

وقوله: ﴿شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ﴾ أي: قائمًا بشكر نعم الله عليه، كقوله تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)[النجم] أي: قام بجميع ما أمره الله تعالى به.

وقوله: ﴿اجْتَبَاهُ﴾ أي: اختاره واصطفاه كقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (٥١)[الأنبياء]، ثم قال: ﴿وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي.

وقوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾: أي جمعنا له خير الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾.

وقال مجاهد في قوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾: أي لسان صدق (٢).

وقوله: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ أي: ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه، أنا أوحينا إليك يا خاتم الرسل وسيد الأنبياء ﴿أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ كما قال في الأنعام: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١)﴾ ثم قال تعالى منكرًا على اليهود:

﴿إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤)﴾.

لا شك أن الله تعالى شرع في كل ملة يومًا من الأسبوع يجتمع الناس فيه للعبادة فشرع تعالى لهذه الأمة يوم الجمعة لأنه اليوم السادس الذي أكمل الله فيه الخليقة واجتمعت فيه، وتمت النعمة على عباده، ويقال: إن الله تعالى شرع ذلك لبني إسرائيل على لسان موسى فعدلوا عنه، واختاروا السبت لأنه اليوم الذي لم يخلق فيه الرب شيئًا من المخلوقات الذي كمل خلقها يوم الجمعة فألزمهم تعالى به في شريعة التوراة، ووصَّاهم أن يتمسكوا به وأن يحافظوا عليه مع أمره إياهم بمتابعة محمد إذا بعثه وأَخْذِه مواثيقهم وعهودهم على ذلك، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾.

قال مجاهد: اتبعوه وتركوا الجمعة (٣). ثم إنهم لم يزالوا متمسكين به حتى بعث الله عيسى ابن مريم، فيقال: إنه حولهم إلى يوم الأحد، ويقال إنه لم يترك شريعة التوراة إلا ما نسخ من بعض أحكامها، وإنه لم يزل محافظًا على السبت حتى رفع، وإن النصارى بعده في زمن قسطنطين هم الذين تحولوا إلى يوم الأحد مخالفة لليهود، وتحولوا إلى الصلاة شرقًا عن الصخرة، والله أعلم.

وقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله قال: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.