للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدًا والنصارى بعد غد" لفظ البخاري (١).

وعن أبي هريرة وحذيفة قالا: قال رسول الله : "أضلَّ الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، والمقضى بينهم قبل الخلائق" رواه مسلم (٢).

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥)﴾.

يقول تعالى آمرًا رسوله محمدًا أن يدعو الخلق إلى الله بالحكمة.

قال ابن جرير: وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة ﴿وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ أي: بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس، ذكرهم بها ليحذروا بأس الله تعالى.

وقوله: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦]، فأمره تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون في قوله: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)[طه].

وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ الآية؛ أي: قد علم الشقي منهم والسعيد، وكتب ذلك عنده وفرغ منه، فادعهم إلى الله ولا تذهب نفسك على من ضلَّ منهم حسرات، فإنه ليس عليك هداهم إنما أنت نذير عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦]، ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢].

﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨)﴾.

يأمر تعالى بالعدل في القصاص والمماثلة في استيفاء الحق، كما قال عبد الرزاق عن الثوري، عن خالد، عن ابن سيرين أنه قال في قوله تعالى: ﴿فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ إن أخذ منكم رجل شيئًا فخذوا مثله (٣)، وكذا قال مجاهد وإبراهيم والحسن البصري وغيرهم واختاره ابن جرير (٤).


(١) صحيح البخاري، الأيمان والنذور، باب قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ. . .﴾ [البقرة: ٢٢٥] (ح ٦٦٢٤)، وصحيح مسلم، الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (ح ٨٥٥).
(٢) المصدر السابق (ح ٨٥٦).
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده حسن، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق خالد به (المصنف ٧/ ٢٢٥).
(٤) قول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه بلفظ: "لا تعتدوا"، وقول إبراهيم النخعي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق منصور عنه.