للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن زيد: كانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين فأسلم رجال ذوو منعة فقالوا: يا رسول الله لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب. فنزلت هذه الآية، ثم نسخ ذلك بالجهاد (١).

وقال محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة النحل كلها بمكة، وهي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد حين قتل حمزة ومثل به، فقال رسول الله : "لئن أظهرني الله عليهم لأُمثِّلن بثلاثين رجلًا منهم" فلما سمع المسلمون ذلك قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم لنُمثِّلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط، فأنزل الله ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ. . .﴾ إلى آخر السورة (٢)، وهذا مرسل وفيه رجل مبهم لم يسم.

وقد روي هذا من وجه آخر متصل، فقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا الحسن بن يحيى، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا صالح المري، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن أبي هريرة أن رسول الله وقف على حمزة بن عبد المطلب حين استشهد فنظر إلى منظر لم ينظر إلى منظر أوجع للقلب منه، أو قال لقلبه، فنظر إليه وقد مُثِّل به، فقال: "رحمة الله عليك إن كنت ما علمتك إلا وصولًا للرحم، فعولًا للخيرات، والله لولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع - أو كلمة نحوها - أما والله على ذلك لأُمثِّلنَّ بسبعين كمثلتك" فنزل جبريل على محمد بهذه السورة وقرأ ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ إلى آخر الآية، فكفَّر رسول الله عن يمينه وأمسك عن ذلك (٣). وهذا إسناد فيه ضعف، لأن صالحًا هو ابن بشير المري ضعيف عند الأئمة، وقال البخاري: هو منكر الحديث، وقال الشعبي وابن جريج: نزلت في قول المسلمين يوم أحد فيمن مُثِّل بهم لنُمثِّلنَّ بهم فانزل الله فيهم ذلك.

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في مسند أبيه: حدثنا هديّة بن عبد الوهاب المروزي، حدثنا الفضل بن موسى، حدثنا عيسى بن عبيد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبي بن كعب قال: لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلًا، ومن المهاجرين ستة، فقال أصحاب رسول الله : لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنربيّن عليهم، فلما كالن يوم الفتح قال رجل: لا تعرف قريش بعد اليوم، فنادى مناد: إن رسول الله قد أمن الأسود والأبيض إلا فلانًا وفلانًا - ناسًا سماهم - فأنزل الله : ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ إلى آخر السورة، فقال رسول الله : "نصبر ولا نعاقب" (٤).


(١) أخرجه الطبري من طريق عبد الله بن وهب عن ابن زيد وسنده صحيح لكنه معضل لأن عبد الرحمن بن زيد من أتباع التابعين.
(٢) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، وسنده ضعيف لإبهام شيخ ابن إسحاق، ويشهد لبعضه حديث أُبي بن كعب الآتي بعد التالي.
(٣) أخرجه البزار كما في كشف الأستار (ح ١٧٩٥)، وفي سنده: صالح بن بشير المري وهو ضعيف ويشهد لبعضه الحديث التالي عن أُبي بن كعب.
(٤) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على المسند بسنده ومتنه، (المسند ٥/ ١٣٥)، وسنده حسن، وأخرجه الترمذي من طريق الفضل بن موسى به وقال: حديث حسن غريب (السنن، تفسير القرآن، باب =