للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقدم المفعول، وهو "إياك"، وكرر؛ للاهتمام والحصر؛ أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك؛ وهذا هو كمال الطاعة.

والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين.

وهذا كما قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن وسرها هذه الكلمة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾ فالأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله ﷿. وهذا المعنى في غير آية من القرآن، كما قال تعالي: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [هود: ١٢٣] ﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ [الملك: ٢٩] ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)[المزمل] وكذلك هذه الآية الكريمة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)

وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب، وهو (مناسب) (١)؛ لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى؛ فلهذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾.

وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى، وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك؛ ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك وهو قادر عليه، كما جاء في "الصحيحين" (٢)، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله : "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".

وفي "صحيح مسلم" (٣) من حديث العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله : "يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل؛ إذا قال العبد: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)﴾ قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)﴾ قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)﴾ قال الله: مجدني عبدي، وإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)﴾ قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)[الفاتحة] قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل".

وقال الضحاك (٤)، عن ابن عباس : ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ يعني: إياك نوحد ونخاف (ونرجو) (٥) يا ربنا لا غيرك، ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ على طاعتك، وعلى أمورنا كلها.

وقال قتادة (٦): ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ يأمركم أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أموركم.


(١) في (ز) و (ع) و (ل) و (ن) و (هـ) و (ى): "مناسبة".
(٢) أخرجه البخاري (٢/ ٢٣٦، ٢٣٧)؛ ومسلم (٣٩٤/ ٣٤) وقد مضى تخريجه.
(٣) (٣٩٥/ ٣٩) ومضى تخريجه.
(٤) أخرجه ابن جرير (١٧١، ١٧٢)؛ وابن أبي حاتم (٢٧) من طريق أبي كريب، ثنا عثمان بن سعيد، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس. وسنده ضعيف جدًّا وتقدم مرارًا.
(٥) في (ن): "نرجوك".
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٢٨) من طريق مطر الوراق عن قتادة. وسنده لا بأس به ومطر الوراق كان أكبر أصحاب قتادة كما قال أبو حاتم، وقال ابن معين: "صالح" وضعفه غيره وروايته عن عطاء ضعيفة.