للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أصحابهم، فقال: يا جبريل من هذا الأشمط (١)؟، ثم من هؤلاء البيض الوجوه؟ ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء؟ وما هذه الأنهار التي دخلوا فيها فجاؤوا وقد صفت ألوانهم؟ قال: هذا أبوك إبراهيم، أول من شُمط على وجه الأرض، وأما هؤلاء البيض الوجوه، فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم، وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، فقوم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، فتابوا فتاب الله عليهم، وأما الأنهار، فأولها رحمة الله، والثاني نعمة الله، والثالث سقاهم ربهم شرابًا طهورًا.

قال: ثم انتهى إلى السدرة، فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عامًا لا يقطعها، والورقة منها تغطي الأُمة كلها، قال: فغشيها نور الخلاق ﷿، وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجرة، من حب الرب ، قالوا: فكلمه الله عند ذلك فقال له: سل، فقال: إنك اتخذت إبراهيم خليلًا وأعطيته ملكًا عظيمًا، وكلمت موسى تكليمًا وأعطيت داود ملكًا عظيمًا وألنت له الحديد، وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكًا وسخرت له الجن والإنس والشياطين، وسخرت له الرياح وأعطيت له ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذنك، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليهما سبيل، فقال له الرب ﷿: وقد اتخذتك خليلًا -وهو مكتوب في التوراة حبيب الرحمن- وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت أُمتك خير أُمة أخرجت للناس، وجعلت أُمتك أُمة وسطًا، وجعلت أُمتك هم الأولين وهم الآخرين وجعلت أُمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلت من أُمتك أقوامًا قلوبهم أناجيلهم، وجعلتك أول النبيين خلقًا وآخرهم بعثًا، وأولهم يقضى له، وأعطيتك سبعًا من المثاني لم يعطها نبي قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبيًا قبلك، وأعطيتك الكوثر، وأعطيتك ثمانية أسهم: الإسلام والهجرة والجهاد والصلاة والصدقة وصوم رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلتك فاتحًا خاتمًا، فقال النبي : "فضلني ربي بست: أعطاني فواتح الكلام وخواتيمه، وجوامع الحديث، وأرسلني إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا، وقذف في قلوب أعدائي الرعب من مسيرة شهر، وأُحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبل، وجعلت لي الأرض كلها طهورًا ومسجدًا"، قال: وفرض عليه خمسين صلاة.

فلما رجع إلى موسى قال: بمَ أُمرت يا محمد؟ قال: بخمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أُمتك أضعف الأُمم، فقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: فرجع النبي إلى ربه ﷿ فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرًا ثم رجع إلى موسى فقال له: بكم أُمرت؟ قال: بأربعين قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأُمم، ولقد لقيت من بني


(١) الأشمط في الشعر: اختلافه بلونين من سواد وبياض.