للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيه جميع عمله من أول عمره إلى آخره ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥)[القيامة] ولهذا قال تعالى: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (١٤)﴾ أي: إنك لم تظلم ولم يكتب عليك إلا ما عملت، لأنك ذكرت جميع ما كان منك، ولا ينسى أحد شيئًا مما كان منه، وكل أحد يقرأ كتابه من كاتب وأمي.

وقوله: ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ إنما ذكر العنق لأنه عضو من الأعضاء لا نظير له في الجسد، ومن ألزم بشيء فيه فلا محيد له عنه، كما قال الشاعر (١):

اذهب بها اذهب بها … طوقتها طوق الحمامة (٢)

قال قتادة، عن جابر بن عبد الله عن النبي أنه قال: "لا عدوى ولا طيرة، وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه" كذا رواه ابن جرير (٣)، وقد رواه الإمام عبد بن حميد في مسنده متصلًا، فقال: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: سمعت رسول الله يقول: "طير كل عبد في عنقه" (٤).

وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله، حدثنا ابن لهيعة، حدثني يزيد أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر ، يحدث عن النبي قال: "ليس من عمل يوم إلا وهو يختم عليه فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة: يا ربنا عبدك فلان قد حبسته، فيقول الرب : اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت" (٥) إسناده جيد قوي، ولم يخرجوه.

وقال معمر، عن قتادة: ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ قال: عمله ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ قال: نخرج ذلك العمل ﴿كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ قال معمر: وتلا الحسن البصري: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق:١٧] يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك، ووكِّل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر حتى إذا متَّ طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة كتابًا تلقاه منشورًا، اقرأ كتابك الآية، فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك (٦)، هذا من أحسن كلام الحسن، .


(١) هو الصحابي الجليل أحمد بن جحش ذكره ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (١/ ٥٠٠).
(٢) قوله: "طوقتها طوق الحمامة" مقتبس من الحديث الشريف: "من غصب شبرًا من أرض طوقه يوم القيامة سبع أرضين" وفيه موعظة ابن جحش لأبي سفيان (ينظر الروض الأنف ٢/ ١٤).
(٣) أخرجه الطبري من طريق قتادة به وقال الشيخ الألباني: ورجاله ثقات رجال الشيخين، لكن قتادة لم يسمع من جابر، وروايته عنه صحيفة قال الإمام أحمد: قرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها. (السلسلة الصحيحة ح ١٩٠٧)، وحسنه السيوطي في الدر المنثور.
(٤) أخرجه عبد بن حميد بسنده ومتنه (المنتخب ح ١٠٥٣).
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ١٤٦)، وأخرجه الحاكم من طريق يزيد بن أبي حبيب وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٣٠٨)، ورواية ابن لهيعة من طريق عبد الله بن المبارك وروايته قبل احتراق كتب ابن لهيعة ولهذا قال الحافظ ابن كثير: إسنادهُ جيد قوي.
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة والحسن.