للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إِحْسَانًا﴾ أي: وأمر بالوالدين إحسانًا، كقوله في الآية الأخرى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: ١٤].

﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ [أي: لا تسمعهما قولًا سيئًا حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيء ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ (١) أي: ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، كما قال عطاء بن رباح في قوله: ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ أي: لا تنفض يدك عليهما (٢).

ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح، أمره بالقول والفعل الحسن، فقال: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ أي: لينًا طيبًا حسنًا بتأدب وتوقير وتعظيم، ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ أي: تواضع لهما بفعلك ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ أي: في كبرهما وعند وفاتهما، قال ابن عباس: ثم أنزل الله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ (٣) [التوبة: ١١٣].

وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة منها الحديث المروي من طرق عن أنسِ وغيره أن النبي لما صعد المنبر قال: "آمين آمين آمين" قيل: يا رسول الله علامَ أمنَّت؟ قال: "أتاني جبريل فقال: يا محمد رَغِمَ (٤) أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك، قل: آمين، فقلت: آمين، ثم قال: رَغِمَ أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين، ثم قال: رَغِمَ أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، قل: آمين، فقلت: آمين" (٥).

حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا علي بن زيد، أخبرنا زرارة بن أوفى، عن مالك بن الحارث، عن رجل منهم أنه سمع النبي يقول: "من ضمَّ يتيمًا من أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه، وجبت له الجنة البتة، ومن أعتق امرأ مسلمًا، كان فكاكه من النار يجزى بكل عضو منه عضوًا منه" (٦).


= عن معمر عن قتادة عنه، ورجاله ثقات لكن قتادة لم يسمع من ابن مسعود، وقراءة الضحاك أخرجها الطبري بسند ضعيف من طريق أبي إسحاق الكوفي، وهو عبد الله بن ميسرة وهو ضعيف، عنه وزيادة لفظ: "إنهم الصقوا الواو بالصاد فصارت قافًا". وردّه ابن الجوزي بقوله: وهذا خلاف ما انعقد عليه الإجماع فلا يلتفت إليه (زاد المسير ٥/ ٣٢).
(١) زيادة من (ح) و (حم).
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق واصل الرقاشي عن عطاء بن أبي رباح، وواصل ضعيف.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبى طلحة عن ابن عباس.
(٤) أي: ذل.
(٥) أخرجه البزار من طريق سلمة بن وردان عن أنس بنحوه ثم قال البزار: سلمة: صالح وله أحاديث يستوحش منها، ولا نعلم روى أحاديث بهذه الألفاظ غيره. (مختصر مسند البزار ٢/ ٤٤١ ح ٢١٧٤)، ويشهد له حديث أبي هريرة ، أخرجه مسلم مختصرًا (الصحيح، البر، باب رغم أنف من أدرك أبويه … ح ٢٥٥١)، وأخرجه البخاري عن أبي هريرة كاملًا (الأدب المفرد ح ٦٤٦ وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ح ٥٠٢).
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وقال محققوه: صحيح لغيره (المسند ٣١/ ٣٧٠ ح ١٩٠٢٥) أي: بالشواهد.