للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ونعيمها وسرورها، ثم أهل الدركات يتفاتون في ما هم فيه، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون، فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. وفي الصحيحين "إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء" (١) ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾.

وفي الطبراني من رواية زاذان، عن سلمان مرفوعًا: "ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا فى درجة فارتفع، إلا وضعه الله في الآخرة أكبر منها"، ثم قرأ: ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ (٢).

﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (٢٢)﴾] (٣).

يقول تعالى، والمراد المكلفون من الأمة: لا تجعل أيها المكلف في عبادتك ربك له شريكًا ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا﴾ أي: على إشراكك به ﴿مَخْذُولًا﴾ لأن الرب تعالى لا ينصرك بل يكلك إلى الذي عبدت معه، وهو لا يملك لك ضرًا ولا نفعًا، لأن مالك الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا بشير بن سلمان، عن سيار أبي الحكم، عن طارق بن شهاب، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أرسل الله له بالغنى إما آجلًا وإما غنى عاجلًا" (٤).

رواه أبو داود والترمذي من حديث بشير بن سلمان به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب (٥).

﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)﴾.

يقول تعالى آمرًا بعبادته وحده لا شريك له، فإن القضاء ههنا بمعنى الأمر.

قال مجاهد: ﴿وَقَضَى﴾ يعني: وصى (٦)، وكذا قرأ أُبي بن كعب وابن مسعود والضحاك بن مزاحم (ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) (٧) ولهذا قرن بعبادته برّ الوالدين، فقال: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة النساء آية ٦٩.
(٢) أخرجه الطبراني بسند ضعيف جدًا من طريق أبي الصباح عبد الغفور بن سعيد الأنصاري عن أبي هاشم الرماني عن زاذان به (المعجم الكبير ٦/ ٢٣٩ ح ٦١٠١) قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه أبو الصباح عبد الغفور وهو متروك (المجمع ٧/ ٥٢).
(٣) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (ح) و (حم). وقد أشير إلى السقط في حاشية الأصل.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وحسن سنده محققوه (المسند ٦/ ٤١٥ ح ٣٨٦٩)، وأخرجه الحاكم من طريق بشير بن سلمان به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ٤٠٨).
(٥) سنن أبي داود، الزكاة، باب في الاستعفاف (ح ١٦٤٥) وسنن الترمذي، الزهد، باب ما جاء في الهم في الدنيا وحبها (ح ٢٣٢٦)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ١٤٤٨).
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق ابن جريج عن مجاهد بلفظ: "أوصى". وابن جريج لم يسمع من مجاهد.
(٧) وهي قراءة شاذة تفسيرية، وقراءة أُبي أخرجها الطبري بسند حسن عنه، وقراءة ابن مسعود أخرجها عبد الرزاق =