للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أراد الله وما يشاء، وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات (١)، فإنه قال: ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ﴾ أي: في الدار الآخرة ﴿يَصْلَاهَا﴾ أي: يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه ﴿مَذْمُومًا﴾ أي: في حال كونه مذمومًا على سوء تصرفه وصنيعه، إذ اختار الفاني على الباقي ﴿مَدْحُورًا﴾ مبعدًا مقصيًا ذليلًا مهانًا.

روى الإمام أحمد: حدثنا حسين، حدثنا دُويد، عن أبي إسحاق، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله : "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له" (٢).

وقوله: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ﴾ أي: أراد الدار الآخرة وما فيها من النعيم والسرور ﴿وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ أي: طلب ذلك من طريقه وهو متابعة الرسول ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ أي: قلبه مؤمن؛ أي: مصدق موقن بالثواب والجزاء ﴿فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾.

﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)﴾.

[يقول تعالى: ﴿كُلًّا﴾ أي: كل واحد من الفريقين الذين أرادوا الدنيا والذين أرادوا الآخرة نمدهم فيما هم فيه ﴿مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ﴾ أي: هو المتصرف الحاكم الذي لا يجور، فيعطي كلًا ما يستحقه من السعادة والشقاوة، فلا رادَّ لحكمه، ولا مانع لما أعطى، ولا مغير لما أراد، ولهذا قال: ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ أي: لا يمنعه أحد، ولا يرده راد.

قال قتادة: ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ أي: منقوصًا (٣).

وقال الحسن وابن جريج وابن زيد أي: ممنوعًا (٤).

ثم قال تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أي: في الدنيا، فمنهم الغني والفقير وبين ذلك، والحسن والقبيح وبين ذلك، ومن يموت صغيرًا، ومن يعمر حتى يبقى شيخًا كبيرًا، وبين ذلك.

﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ أي: ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا، فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العليا


(١) مثل قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ [هود: ١٥].
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وضعف سنده محققوه لأن دويد غير منسوب. (المسند ٤٠/ ٤٨٠ ح ٢٤٤١٩) وجود المنذري سنده (الترغيب ٤/ ٧٧)، والعراقي وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح إلا دويد وهو ثقة (ينظر كشف الخفاء ١/ ٤١٠، ومجمع الزوائد ١٠/ ٢٨٨)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (ح ١٩٣٣).
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٤) قول الحسن أخرجه الطبري بسند حسن من طريق سهل بن أبي الصلت عن الحسن بلفظ: كلا نعطي من الدنيا البر والفاجر، وقول ابن جريج أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين وهو ابن داود: ضعيف، بلفظ: منقوصًا، وبهذا اللفظ أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.