للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ أي: وجمعناهم الأولين منهم والآخرين، فلم نترك منهم أحدًا لا صغيرًا ولا كبيرًا، كما قال: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)[الواقعة] وقال: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣)[هود].

وقوله: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا﴾ يحتمل أن يكون المراد أن جميع الخلائق يقومون بين يدي الله صفًا واحدًا، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (٣٨)[النبأ] ويحتمل أنهم يقومون صفوفًا، كما قال: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)[الفجر].

وقوله: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ٩٤] هذا تقريع للمنكرين للمعاد، وتوبيخ لهم على رؤوس الأشهاد، ولهذا قال تعالى مخاطبًا لهم: ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾ أي: ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم، ولا أن هذا كائن.

وقوله: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ أي: كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير، والفتيل والقطمير، والصغير والكبير، ﴿فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ﴾ أي: من أعمالهم السيئة وأفعالهم القبيحة ﴿وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا﴾ أي: يا حسرتنا وويلنا على ما فرطنا في أعمارنا ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ أي: لا يترك ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا ولا عملًا وإن صغر، إلا أحصاها، أي ضبطها وحفظها.

وروى الطبراني بإسناده المتقدم في الآية قبلها إلى سعد بن جنادة قال: لما فرغ رسول الله من غزوة حنين، نزلنا قفرًا من الأرض ليس فيه شيء، فقال النبي : "اجمعوا من وجد عودًا فليأت به، ومن وجد حطبًا أو شيئًا فليأت به" قال: فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركامًا، فقال النبي : "أترون هذا؟ فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا، فليتق الله رجل ولا يذنب صغيرة ولا كبيرة، فإنها محصاة عليه" (١).

وقوله: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾ أي: من خير وشر، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ [آل عمران: ٣٠]، وقال تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣)[القيامة]، وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)[الطارق] أي: تظهر المخبآت والضمائر.

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن ثابت، عن أنس، عن النبي قال: "لكل غادر لواء يوم القيامة [يعرف به" (٢). أخرجاه في الصحيحين (٣)، وفي لفظ: "يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة] (٤) عند استه بقدر غدرته، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان" (٥).


(١) أخرجه الطبراني (المعجم الكبير ٦/ ٥٢ ح ٥٤٨٥) وسنده ضعيف أيضًا فيه الحسين بن الحسن بن عطية وهو ضعيف.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ١٤٢) وسنده صحيح.
(٣) صحيح البخاري، الجزية، باب إثم الغادر للبر والفاجر (ح ٣١٨٧)، وصحيح مسلم، الجهاد، باب تحريم الغدر (ح ١٧٣٧).
(٤) زيادة من (ح) و (حم).
(٥) صحيح البخاري، الجزية، باب إثم الغادر (ح ٣٦٨٦)، وصحيح مسلم، الجهاد، باب تحريم الغدر (ح ١٧٣٨).