للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأشياء كلها ومدبرها ومقدرها وحدي ليس معي في ذلك شريك ولا وزير ولا مشير ولا نظير، كما قال: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ الآية [سبأ: ٢٢، ٢٣]، ولهذا قال: ﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ قال مالك: أعوانًا (١).

﴿وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (٥٣)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عما يخاطب به المشركين يوم القيامة على رؤوس الأشهاد تقريعًا لهم وتوبيخًا ﴿نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ أي: في دار الدنيا ادعوهم اليوم ينقذوكم مما أنتم فيه قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤)[الأنعام] وقوله: ﴿فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ كما قال: ﴿وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤)﴾ الآية [القصص]، وقال: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (٦)[الأحقاف]، وقال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢)[مريم].

وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ قال ابن عباس وقتادة وغير واحد: مهادًا (٢).

وقال قتادة: ذُكر لنا أن عمر البكالي حدث عن عبد الله بن عمرو قال: هو وادٍ عميق فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة (٣). وقال قتادة: ﴿مَوْبِقًا﴾ واديًا في جهنم (٤).

وقال ابن جرير: حدثني محمد بن سنان القزاز، حدثنا عبد الصمد، حدثنا يزيد بن درهم، سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ قال: وادٍ في جهنم من قيح ودم (٥).

وقال الحسن البصري: موبقًا: عداوة (٦)، والظاهر من السياق ههنا أنه المهلك، ويجوز أن يكون واديًا في جهنم أو غيره، والمعنى أن الله تعالى بيّن أنه لا سبيل لهؤلاء المشركين ولا


(١) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٢) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه بلفظ: "هلاكا".
(٣) أخرجه الطبري والبيهقي (البعث والنشور ٥٢١) كلاهما من طريق قتادة به وسنده ضعيف لإبهام شيخ قتادة.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وليس عن قتادة.
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه الإمام أحمد من طريق عبد الصمد به (الزهد ص ٣١١، ٣١٢) وسنده ضعيف لضعف يزيد بن درهم قال فيه ابن معين: ليس بشيء، وساق ابن حجر هذا الأثر بعد قول ابن معين (لسان الميزان ٦/ ٢٨٤).
(٦) أخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر من طريق عوف الأعرابي عن الحسن.