للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصول لهم إلى آلهتهم التي كانوا يزعمون في الدنيا، وأنه يفرق بينهم وبينها في الآخرة، فلا خلاص لأحد من الفريقين إلى الآخر، بل بينهما مهلك وهول عظيم وأمر كبير. وأما إن جعل الضمير في قوله عائدًا إلى المؤمنين والكافرين كما قال عبد الله بن عمرو إنه يفرق بين أهل الهدى والضلالة به، فهو كقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤)[الروم] وقال: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم: ٤٣]، وقال تعالى: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩)[يس]، وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (٢٩) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠)[يونس].

وقوله: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (٥٣)﴾ أي: أنهم لما عاينوا جهنم حين جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك (١) فإذا رأى المجرمون النار تحققوا لا محالة أنهم مواقعوها، ليكون ذلك من باب تعجيل الهم والحزن لهم، فإن توقع العذاب والخوف منه قبل وقوعه عذاب ناجز.

وقوله: ﴿وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ أي: ليس لهم طريق يعدل بهم عنها ولا بدّ لهم منها.

قال ابن جرير: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله أنه قال: ["إن الكافر ليرى جهنم فيظن] (٢) أنها مواقعته من مسيرة أربعمائة سنة" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : "ينصب الكافر مقدار خمسين ألف سنة، كما لم يعمل في الدنيا، وإن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة" (٤).

﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (٥٤)﴾.

يقول تعالى: ولقد بيّنا للناس في هذا القرآن ووضحنا لهم الأمور وفصلناها كيلا يضلوا عن الحق ويخرجوا عن طريق الهدى، ومع هذا البيان وهذا الفرقان الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة المعارضة للحق بالباطل إلا من هدى الله بصره لطريق النجاة.


(١) حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود مرفوعًا (صحيح مسلم، الجنة، باب في شدة حر نار جهنم ح ٢٨٤٢).
(٢) كذا في (ح) و (حم) وتفسير الطبري وفي الأصل حُرِّفت إلى: "إن الكافرين في جهنم فيظن".
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف رواية دراج عن أبي الهيثم، وله شاهد إذ أخرجه الإمام أحمد (المسند ٣/ ٧٥)، وابن حبان (الإحسان ١٦/ ٣٤٩ ح ٧٣٥٢)، وحسنه محققه، وأخرجه الحاكم كلهم من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ الحديث التالي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٥٩٧) وحسنه الهيثمي (مجمع الزوائد ١٠/ ٢٣٦)، فيكون الإسناد حسنًا لغيره.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وقال محققوه: حسن لغيره، (المسند ١٨/ ٢٤٢ ح ١١٧١٤) وينظر أقوال النقاد في الرواية السابقة.