للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنها ولم يصغ لها ولا ألقى إليها بالًا، ﴿وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ أي: من الأعمال السيئة والأفعال القبيحة، ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ أي: قلوب هؤلاء ﴿أَكِنَّةً﴾ أي: أغطية وغشاوة ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ أي: لئلا يفهموا هذا القرآن والبيان ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ أي: صممًا معنويًا عن الرشاد ﴿وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾.

وقوله: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ أي: ربك يا محمد غفور ذو رحمة واسعة ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ﴾ كما قال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [فاطر: ٤٥] وقال: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الرعد: ٦] والآيات في هذا كثيرة.

ثم أخبر أنه يحلم ويستر ويغفر، وربما هدى بعضهم من الغي إلى الرشاد، ومن استمر منهم فله يوم يشيب فيه الوليد، وتضع كل ذات حمل حملها، ولهذا قال: ﴿بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ أي: ليس لهم عنه محيص ولا محيد ولا معدل.

وقوله: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ أي: الأمم السالفة والقرون الخالية، أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم. ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ أي: جعلناه إلى مدة معلومة ووقت معين، لا يزيد ولا ينقص، أي: وكذلك أنتم أيها المشركون احذروا أن يصيبكم ما أصابهم، فقد كذبتم أشرف رسول وأعظم نبي، ولستم بأعز علينا منهم، فخافوا عذابي ونذر.

﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (٦٠) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (٦١) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (٦٢) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (٦٣) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (٦٤) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (٦٥)﴾.

سبب قول موسى لفتاه وهو يوشع بن نون، هذا الكلام أنه ذكر له أن عبدًا من عباد الله بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به موسى، فأحب الرحيل إليه (١)، وقال لفتاه ذلك ﴿لَا أَبْرَحُ﴾ أي: لا أزال سائرًا ﴿حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ أي: هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين، قال الفرزدق (٢):

فما برحوا حتى تهادت نساؤهم … ببطحاء ذي قار (٣) [عياب] (٤) اللطائم (٥)

قال قتادة وغير واحد: هما بحر فارس مما يلي المشرق، وبحر الروم مما يلي المغرب (٦).


(١) هذا طرف من حديث صحيح سيأتي في تفسير هذه الآية.
(٢) البيت ورد في ديوانه ٢/ ٢١٧، واستشهد به الطبري.
(٣) منطقة بين واسط والكوفة في جنوب العراق، وسميت محافظة ذي قار باسمها.
(٤) عياب اللطائم: أوعية المسك.
(٥) كذا في ديوان الفرزدق وتفسير الطبري و (ح) و (حم) وفي الأصل صحفت إلى: "عات".
(٦) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة، وأخرجه آدم بن أبي أياس والطبري بسند صحيح من =