للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمد إلى ناحية فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها، ثم أخذ لوحًا فطبقه عليها، ثم جلس عليها يرقعها، فقال له موسى ورأى أمرًا أفظع به ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (٧١) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ [الكهف: ٧١ - ٧٣] أي: بما تركت من عهدك ﴿وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ [الكهف: ٧٣] ثم خرجا من السفينة، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية، فإذا غلمان يلعبون خلفها، فيهم غلام ليس في الغلمان أظرف منه، ولا أثرى ولا أوضأ منه فأخذه بيده وأخذ حجرًا فضرب به رأسه حتى دمغه (١) فقتله، قال: فرأى موسى أمرًا فظيعًا لا صبر عليه، صبي صغير قتله لا ذنب له، قال: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ [الكهف: ٧٤] أي: صغيرة ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (٧٤) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٥) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (٧٦)[الكهف] أي: قد أعذرت في شأني ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: ٧٧] فهدمه ثم قعد يبنيه، فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس له عليه صبر فأقامه، قال: ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: ٧٧] أي: قد استطعمناهم فلم يطعمونا وضفناهم (٢) فلم يضيفونا، ثم قعدت تعمل من غير صنيعة، ولو شئت لأعطيت عليه أجرًا في عمله، قال: ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)[الكهف] وفي قراءة أُبي بن كعب: (كل سفينة صالحة) وإنما عبتها لأرده عنها، فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها، ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٨١)[الكهف]. ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكهف: ٨٢] أي: ما فعلته عن نفسي ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٨٢] فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علمًا (٣).

وقال العوفي، عن ابن عباس قالا: لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه مصر، فلما استقرت بهم الدار أنزل الله أن ذكرهم بأيام الله، فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعمة، وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون، وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض، وقال: كلَّم الله نبيكم تكليمًا واصطفاني لنفسه، وأنزل عليَّ محبة منه، وآتاكم الله من كل ما سألتموه، فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرؤون التوراة، فلم يترك نعمة أنعم الله عليهم إلا وعرفهم إياها، فقال له رجل من بني إسرائيل: هم كذلك يا نبي الله قد عرفنا الذي تقول: فهل على الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله؟ قال: لا. فبعث الله جبرائيل إلى موسى فقال: إن الله يقول: وما يدريك أين أضع علمي؟ بلى إن لي على شط البحر رجلًا هو أعلم منك. قال ابن عباس: هو الخضر، فسأل موسى ربه أن يريه إياه، فأوحى إليه أن ائت البحر، فإنك تجد على شط البحر حوتًا، فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شاطئ البحر، فإذا نسيت الحوت، وهلك منك، فثمَّ تجد العبد الصالح الذي تطلب.

فلما طال سفر موسى نبي الله ونصب فيه سأل فتاه عن الحوت، فقال له فتاه وهو غلامه


(١) أي: أصاب دماغه.
(٢) أي: نزلنا عليهم ضيوفًا.
(٣) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به وسنده ضعيف لأن الحسن بن عمارة وهو البجلي متروك كما في التقريب. ولمعظمه شواهد في الصحيح.