للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ [الكهف: ٨١]، كقوله: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ [الكهف: ٧٤]، وقوله: ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨١] هما به أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر.

وزعم غير سعيد بن جبير أنهما أبدلا جارية، وأما داود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد: إنها جارية (١).

قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: خطب موسى بني إسرائيل فقال: ما أحد أعلم بالله وبأمره مني، فأمر أن يلقى هذا الرجل فذكر نحو ما تقدم بزيادة ونقصان (٢)، والله أعلم.

وقال محمد بن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب، فقال بعضهم: يا أبا العباس إن نوفًا ابن امرأة كعب يزعم عن كعب أن موسى النبي الذي طلب العالم إنما هو موسى بن ميشا، قال سعيد: فقال ابن عباس: أنوف يقول هذا يا سعيد؟ فقلت له: نعم أنا سمعت نوفًا يقول ذلك، قال: أنت سمعته يا سعيد؟ قال: نعم، قال: كذب نوف.

ثم قال ابن عباس: حدثني أُبي بن كعب عن رسول الله أن موسى بني إسرائيل سأل ربه، فقال: أي ربِّ إن كان في عبادك أحد هو أعلم مني فدلني عليه، فقال له: نعم في عبادي من هو أعلم منك، ثم نعت له مكانه وأذن له في لقيه، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح (٣)، قد قيل له: إذا حيي هذا الحوت في مكان، فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه، فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء، وذلك الماء ماء الحياة، من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومسَّ الحوت الماء حيي، ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾، فانطلقا فلما جاوزا النقلة قال موسى لفتاه: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾، قال الفتى وذكر: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾.

قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حتى إذا انتهيا إليها، فإذا رجل متلفف في كساء له، فسلم موسى عليه فردَّ عليه السلام، ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل؟ قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدًا. قال: ﴿إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٦٧]، وكان رجلًا يعلم علم الغيب، قد عُلِّم ذلك، فقال موسى: بلى. قال: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (٦٨)[الكهف] أي إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل، ولم تحط من علم الغيب بما أعلم ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (٦٩)[الكهف] وإن رأيت ما يخالفني، قال: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ﴾ [الكهف: ٧٠] وإن أنكرته ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠] فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما، حتى مرَّت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما، من السفن شيء أحسن، ولا أجمل ولا أوثق منها، فسأل أهلها أن يحملوهما فحملوهما، فلما أطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها، أخرج منقارًا له (٤) ومطرقة، ثم


(١) صحيح البخاري، تفسير سورة الكهف، باب ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا. . .﴾ [الكهف: ٦١] (ح ٤٧٢٦).
(٢) أخرجه عبد الرزاق وسنده صحيح.
(٣) أي: مملوح بالملح.
(٤) المنقار آله حديدية كالفأس ينقر بها.