للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورقّت القلوب ولّى، فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أعلم منك؟ قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله، قيل: بلى، قال أي ربِّ، وأين؟ قال: بمجمع البحرين، قال: أي ربِّ اجعل لي علمًا أعلم ذلك به. قال لي عمرو: قال حيث يفارقك الحوت، وقال لي يعلى: خذ حوتًا ميتًا حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتًا فجعله في مكتل فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كبيرًا، فذلك قوله: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ﴾ يوشع بن نون - ليست عند سعيد بن جبير - قال: فبينما هو في ظل صخرة في مكان ثريان (١) إذ يضرب الحوت وموسى نائم، فقال فتاه، لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره، ويضرب الحوت حتى دخل في البحر فأمسك الله عنه جرية الماء حتى كأن أثره في حجر، قال: فقال لي عمرو: هكذا كان أثره في حجر، وحلق بين إبهاميه واللتين تليهما، قال: ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ قال: وقد قطع الله عنك النصب - ليست هذه عند سعيد بن جبير - أخبره فرجعا فوجدا خضرًا قال: قال عثمان بن أبي سليمان: على طنفسة خضراء على كبد (٢) البحر.

قال سعيد بن جبير: مسجى (٣) بثوب قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه عند رأسه، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضي من سلام؟ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئتك لتعلمني مما علمت رشدًا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك يا موسى؟ إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه، فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر، حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارًا تحمل أهل هذا الساحل إلى هذا الساحل الآخر، عرفوه فقالوا: عبد الله الصالح، قال: فقلنا لسعيد بن جبير: خضر؟ قال: نعم، لا نحمله بأجر، فخرقها ووتد فيها وتدًا، قال موسى: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١] قال مجاهد: منكِرًا، ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢)[الكهف] كانت الأولى نسيانًا، والثانية شرطًا، والثالثة عمدًا، ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (٧٣) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ﴾ [الكهف]، قال يعلى: قال سعيد: وجد غلمانًا يلعبون، فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين، فقال: أقتلت نفسًا زكية لم تعمل الحنث؟ وابن عباس قرأها: (زكية مسلمة) كقولك غلامًا زكيًا، فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقض فأقامه، قال سعيد: بيده هكذا ودفع بيده فاستقام، قال: لو شئت لاتخذت عليه أجرًا، قال يعلى: حسبت أن سعيدًا قال: فمسحه بيده فاستقام، قال: لو شئت لاتخذت عليه أجرًا، قال سعيد: أجرًا نأكله، ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ [الكهف: ٧٩]، وكان أمامهم، قرأها ابن عباس: (أمامهم ملك) (٤) يزعمون، عن غير سعيد، أنه: هدد بن بدد، والغلام المقتول اسمه - يزعمون - جيسور ﴿مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩]، فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها بعيبها، فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها، منهم من يقول سدوها بقارورة، ومنهم من يقول بالقار، ﴿فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ [الكهف: ٨٠]، وكان هو كافرًا، ﴿فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ [الكهف: ٨٠] أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه، ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا


(١) أي: أرض في ترابها بلل وندى.
(٢) أي: وسطه.
(٣) أي: مغطى.
(٤) وهي قراءة شاذة تفسيرية.