للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة، فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول (١)، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدُّوم، فقال له موسى: قد حملونا بغير نول، فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئًا إمرًا ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (٧٣)[الكهف] قال: وقال رسول الله وعلى آله، فكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر في البحر نقرة أو نقرتين فقال له الخضر: ما علمي وعلمك في علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر.

ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (٧٤) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٥)[الكهف] قال: وهذه أشد من الأولى، ﴿قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (٧٦) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف] أي: مائلًا، فقال الخضر بيده ﴿فَأَقَامَهُ﴾ فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (٧٧) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨)[الكهف] فقال رسول الله : "وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما" قال سعيد بن جبير: كان ابن عباس يقرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا) وكان يقرأ: (وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) (٢).

ثم رواه البخاري عن قتيبة عن سفيان بن عيينة فذكر نحوه، وفيه: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت، حتى انتهيا إلى الصخرة، فنزلا عندها، قال: فوضع موسى رأسه فنام، قال سفيان: وفي حديث غير عمرو قال: وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حيي فأصاب الحوت من ماء تلك العين، فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر، فلما استيقظ قال موسى لفتاه: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ قال: وساق الحديث، ووقع عصفور على حرف السفينة، فغمس منقاره في البحر، فقال الخضر لموسى: ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره وذكر تمامه بنحوه (٣).

وقال البخاري أيضًا: حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف، أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، يزيد أحدهما على صاحبه، وغيرهما قد سمعته يحدث عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته، إذ قال سلوني، فقلت: أي أبا عباس جعلني الله فداك، بالكوفة رجل قاصّ يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل، أما عمرو فقال لي قال: كذب عدو الله وأما يعلى فقال لي قال ابن عباس: حدثني أُبي بن كعب قال: قال رسول الله : "موسى رسول الله ذكر الناس يومًا حتى إذا فاضت العيون


(١) أي: بغير أجرة.
(٢) صحيح البخاري، تفسير سورة الكهف، باب ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ﴾ [الكهف: ٦٠] (ح ٤٧٢٥) والقراءة الشاذة تفسيرية.
(٣) صحيح البخاري، تفسير سورة الكهف، باب ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ [الكهف: ٦٣] (ح ٤٧٢٧).