للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صار ماء جامدًا (١).

وقوله: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا﴾ أي: المكان الذي نسيا الحوت فيه، ونسب النسيان إليهما وإن كان يوشع هو الذي نسيه، كقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢)[الرحمن] وإنما يخرج من المالح على أحد القولين.

فلما ذهبا عن المكان الذي نسياه فيه بمرحلة ﴿قَالَ﴾ موسى ﴿لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا﴾ أي: الذي جاوزا فيه المكان ﴿نَصَبًا﴾ يعني: تعبًا ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾. قال قتادة: وقرأ ابن مسعود: (ما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان) (٢). ولهذا قال: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ﴾ أي: طريقه ﴿فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (٦٣) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ أي: هذا هو الذي نطلب ﴿فَارْتَدَّا﴾ أي: رجعا ﴿عَلَى آثَارِهِمَا﴾ أي: طريقهما ﴿قَصَصًا﴾ أي: يقصان آثار مشيهما ويقفوان أثرهما ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (٦٥)﴾ وهذا هو الخضر ، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله .

قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار، أخبرني سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نوفًا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ، ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل. قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أُبي بن كعب أنه سمع رسول الله يقول: "إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه إن لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يا ربِّ وكيف لي به؟ قال: تاخذ معك حوتًا فتجعله بمكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتًا فجعله بمكتل، ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون ، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربًا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ، نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أممه الله به، قال له فتاه: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ قال: فكان الحوت سربًا، ولموسى وفتاه عجبًا، فقال: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ قال: فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى (٣) بثوب، فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام. فقال: أنا موسى. فقال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم قال أتيتك لتعلمني مما علمت رشدًا ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٦٧)[الكهف] يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. فقال موسى: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف: ٦٩] قال له الخضر: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠].


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق قتادة به، وقتادة لم يسمع من ابن مسعود، والقراءة شاذة تفسيرية.
(٣) أي: مغطى.