للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كعب، عن النبي قال: "الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرًا" رواه ابن جرير من حديث أبي إسحاق، عن سعيد، عن ابن عباس به (١)، ولهذا قال: ﴿فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ أي: يحملهما حبه على متابعته على الكفر.

قال قتادة: قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب (٢)، وصحَّ في الحديث: "لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له" (٣)، وقال تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦].

وقوله: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٨١)﴾ أي: ولدًا أزكى من هذا، وهما أرحم به منه، قاله ابن جريج (٤).

وقال قتادة: أبرّ بوالديه (٥)، وقد تقدم أنهما بدلا جارية.

وقيل: لما قتله الخضر كانت أُمه حاملًا بغلام مسلم، قاله ابن جريج (٦).

﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٨٢)﴾.

في هذه الآية دليل على إطلاق القرية على المدينة؛ لأنه قال أولًا: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ﴾ وقال ههنا: ﴿فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ﴾ كما قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ [محمد: ١٣]، ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)[الزخرف] يعني: مكة والطائف، ومعنى الآية؛ أن هذا الجدار إنما أصلحته؛ لأنه كان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنز لهما.

قال عكرمة وقتادة وغير واحد: وكان تحته مال مدفون لهما (٧)، وهو ظاهر السياق من الآية، وهو اختيار ابن جرير .

وقال العوفي، عن ابن عباس: كان تحته كنز علم (٨)، وكذا قال سعيد بن جبير (٩).


(١) أخرجه الطبري من طريق أبي إسحاق به، وأخرجه مسلم من طريق رقبة عن أبي إسحاق به مطولًا (الصحيح، الفضائل، باب من فضائل الخضر ح ٢٣٨٠/ ١٧٢).
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة (المصنف رقم ٢٠٢١١).
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة الأعراف آية ٩٥.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين، وهو ابن داود: ضعيف.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٦) أخرجه الطبري كما في الرواية قبل السابقة.
(٧) قول عكرمة أخرجه الثوري والطبري من طريق أبي حصين عن عكرمة، وأخرجه الطبري من طريق شعبة عن أبي حصين عن عكرمة قال شعبة: ولم يسمعه منه. وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٨) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى بما يليه.
(٩) أخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر.