للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال بعض السلف: قام من الليل وقد نام أصحابه، فجعل يهتف بربه يقول خفية: يا ربِّ، يا ربِّ، فقال الله له: لبيكَ لبيكَ لبيكَ (١).

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾ أي: ضعفت وخارت القوى ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ أي: اضطرم المشيب في السواد، كما قال ابن دريد في مقصورته (٢):

أما ترى رأسي حاكى لونه … طُرَّةَ (٣) صَبح تحت أذيال الدُّجى (٤)

واشتعل المبيض في مسوده … مثل اشتعال النار في جمر الغَضا (٥)

والمراد من هذا الإخبار عن الضعف والكبر ودلائله الظاهرة والباطنة.

وقوله: ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ أي: ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء، ولم تردني قط فيما سألتك

وقوله: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ قرأ الأكثرون بنصب الياء من الموالي على أنه مفعول، وعن الكسائي: أنه سكن الياء (٦) كما قال الشاعر:

كأن أيديهن في القاع القِرق (٧) … أيدي جوار يتعاطَينَ الورق (٨)

وقال الآخر:

فتى لو يُباري الشمس ألقت قناعَها … أو القمرَ الساري لألقى المقالدا (٩)

ومنه قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي:

تغاير الشعرُ منه إذ سهرتُ له … حتى ظننت قوافيه ستقتتل (١٠)

وقال مجاهد وقتادة والسدي: أراد بالموالي: العصبة (١١).

وقال أبو صالح: الكلالة (١٢).

وروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان أنه كان يقرؤها (وإني خفَّت الموالي من ورائي) بتشديد [الفاء] (١٣) (١٤) بمعنى: قلّت عصباتي من بعدي.

وعلى القراءة الأولى وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفًا سيئًا،


(١) لم أجد من أخرج هذا الخبر وهو من الإسرائيليات، ومثله لا يقبل إلا برواية مرفوعة أو لها حكم الرفع.
(٢) شرح مقصورة ابن دريد ص ٢.
(٣) طرة كل شي: جانبه وحافته.
(٤) أي: أطراف الظلمة.
(٥) الغضا: نوع من الشجر له جمر يمكث طويلًا.
(٦) القراءاتان متواترتان.
(٧) القرِق: المكان المستوي، إذ يصف الراجز إبلًا بالسرعة.
(٨) أي: الفضة، والشاهد فيه أن الراجز سكّن ياء "أيديهن"، وهي اسم كأن.
(٩) الشاهد فيه أيضًا تسكين الياء في "الساري".
(١٠) ديوان أبي تمام ص ٢٢٧، والشاهد فيه تسكين الياء في "قوافيه".
(١١) قول مجاهد أخرجه الثوري والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقوله السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(١٢) أخرجه الطبري بعدة أسانيد يقوي بعضها بعضًا من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح.
(١٣) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحفت إلى: "الياء".
(١٤) أخرجه الطبري تعليقًا، وهي قراءة شاذة تفسيرية.