للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣)[الحجر].

﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩)﴾.

هذا تعجب من زكريا حين أجيب إلى ما سأل وبشر بالولد، ففرح فرحًا شديدًا، وسأل عن كيفية ما يولد له والوجه الذي يأتيه منه الولد، مع أن امرأته كانت عاقرًا لم تلد من أول عمرها مع كبرها، ومع أنه قد كبر وعتا؛ أي: عسا عظمه ونحل، ولم يبق فيه لقاح ولا جماع، والعرب تقول للعود إذا يبس: عتا يعتو عتيًا وعتوًا، وعسا يعسو عسوًا وعسيًا (١)، وقال مجاهد: عتيا؛ يعني: نحول العظم (٢)، وقال ابن عباس وغيره: عتيا؛ يعني: الكبر (٣)، والظاهر أنه أخص من الكبر.

وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب، حدثنا هشيم، أخبرنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لقد علمت السُّنة كلَّها غير أني لا أدري أكان رسول الله يقرأ في الظهر والعصر أم لا؟ ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ (٤) أو عُسيًا؟ (٥) (٦)، ورواه الإمام أحمد عن سُريج بن النعمان وأبو داود، عن زياد بن أيوب كلاهما عن هشيم به (٧).

﴿قَالَ﴾ أي: الملك مجيبًا لزكريا عما استعجب منه ﴿كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ أي إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها، ﴿هَيِّنٌ﴾ أي: يسير سهل على الله.

ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه، فقال: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ كما قال تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١)[الإنسان].

﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن زكريا أنه: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ أي: علامة ودليلًا على وجود ما وعدتني، لتستقر نفسي ويطمئن قلبي بما وعدتني، كما قال إبراهيم : ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ الآية [البقرة: ٢٦٠]. ﴿قَالَ آيَتُكَ﴾


(١) ذكره الطبري.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس ، وأخرجه الحاكم بسند ضعيف جدًا عن ابن عباس (المستدرك ٢/ ٣٧٢).
(٤) بضم العين وهي قراءة متواترة.
(٥) وهي قراءة شاذة تفسيرية.
(٦) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٧) أخرجه الإمام أحمد عن سُريج به وصحح سنده محققوه (المسند ٤/ ١١٢ ح ٢٢٤٦)، وأخرجه أبو داود عن زياد بن أيوب به مقتصرًا على الشطر الأول (السنن، الصلاة، باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر ح ٨٠٥)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٧٢٢)، وأخرجه الحاكم من طريق حصين به مثل رواية أبي داود، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٢٤٤).