للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: علامتك ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ أي: أن تحبس لسانك عن الكلام ثلاث ليالٍ، وأنت صحيح سوي من غير مرض ولا علة.

قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة ووهب والسدي وقتادة وغير واحد: اعتقل لسانه من غير مرض ولا علة (١). قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان يقرأ ويسبح ولا يستطيع أن يكلم قومه إلا إشارة (٢).

وقال العوفي، عن ابن عباس: ﴿ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ أي: متتابعات (٣)، والقول الأول عنه وعن الجمهور أصح، كما قال تعالى في آل عمران: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)[آل عمران].

وقال مالك، عن زيد بن أسلم: ﴿ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ من غير خرس (٤).

وهذا دليل على أنه لم يكن يكلم الناس في هذه الليالي الثلاث وأيامها ﴿إِلَّا رَمْزًا﴾ أي: إشارة، ولهذا قال في هذه الآية الكريمة: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ أي: الذي بشر فيه بالولد ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ أي: أشار إشارة خفية سريعة ﴿أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ أي: موافقة له فيما أمر به في هذه الأيام الثلاثة زيادة على أعماله شكرًا لله على ما أولاه.

قال مجاهد: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ أي: أشار (٥). وبه قال وهب وقتادة (٦).

وقال مجاهد في رواية عنه: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ أي: كتب لهم في الأرض (٧)، وكذا قال السدي (٨).

﴿يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)﴾.

وهذا أيضًا تضمن محذوفًا تقديره أنه وجد هذا الغلام المبشر به وهو: يحيى ، وأن الله علَّمه الكتاب، وهو: التوارة التي كانوا يتدارسونها بينهم، ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار، وقد كان سنُّه إذ ذاك صغيرًا، فلهذا نوه بذكره وبما أنعم به عليه


(١) قول ابن عباس أخرجه الحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٢٩١)، وقول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول عكرمة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق قتادة عنه بلفظ: "من غير خرس"، وقول وهب - وهو ابن منبه - أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق رجل مبهم عن وهب، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه بلفظ عكرمة، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن.
(٣) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٤) سنده صحيح.
(٥) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٦) قول وهب أخرجه الطبري بسند ضعيف كسابقه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٧) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق الحكم بن عتيبة عن مجاهد.
(٨) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.