للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رُوحِنَا﴾ [التحريم: ١٢] وقال: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا﴾ [الأنبياء: ٩١].

قال محمد بن إسحاق: ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ أي: إن الله قد عزم على هذا فليس منه بدٌّ (١)، واختار هذا أيضًا ابن جرير في تفسيره ولم يحك غيره، والله أعلم.

﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن مريم أنها لما قال لها جبريل عن الله تعالى ما قال، أنها استسلمت لقضاء الله تعالى، فذكر غير واحد من علماء السلف أن الملك - وهو جبريل عند ذلك نفخ في جيب درعها، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج فحملت بالولد بإذن الله تعالى، فلما حملت به ضاقت ذرعًا، ولم تدر ماذا تقول للناس، فإنها تعلم أن الناس لا يصدقونها فيما تخبرهم به، غير أنها أفشت سرها وذكرت أمرها لأختها امرأة زكريا، وذلك أن زكريا كان قد سأل الله الولد فأجيب إلى ذلك، فحملت امرأته، فدخلت عليها مريم، فقامت إليها فاعتنقتها وقالت: أشعرت يا مريم أني حبلى؟ فقالت لها مريم: وهل علمت أيضًا أني حبلى، وذكرت لها شأنها وما كان من خبرها، وكانوا بيت إيمان وتصديق، ثم كانت امرأة زكريا بعد ذلك إذا واجهت مريم تجد الذي في بطنها يسجد للذي في بطن مريم؛ أي يعظمه ويخضع له، فإن السجود كان في ملَّتهم عند السلام مشروعًا، كما سجد ليوسف أبواه وإخوته، وكما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم ، ولكن حُرِّم في ملتنا هذه تكميلًا لتعظيم جلال الرب تعالى.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين قال: قُرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم قال: قال مالك : بلغني أن عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ابنا خالة، وكان حملهما جميعًا معًا، فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم: إني أرى أن ما في بطني يسجد لما في بطنك. قال مالك: أرى ذلك لتفضيل عيسى ؛ لأن الله جعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص (٢).

ثم اختلف المفسرون في مدة حمل عيسى ، فالمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر. وقال عكرمة: ثمانية أشهر، قال: ولهذا لا يعيش ولد الثمانية أشهر. وقال ابن جريج: أخبرني المغيرة بن عثمان بن عبد الله الثقفي، سمع ابن عباس وسئل عن حمل مريم قال: لم يكن إلا أن حملت فوضعت، وهذا غريب، وكأنه مأخوذ من ظاهر قوله تعالى: ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ فالفاء وإن كانت للتعقيب، لكن تعقيب كل شيء بحسبه، كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ [المؤمنون: ١٢ - ١٤] فهذه الفاء للتعقيب بحسبها.

وقد ثبت في الصحيحين: أن بين كل صفتين أربعين يومًا (٣)، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ


(١) أخرجه الطبري بسند فيه ابن حميد، وهو محمد بن حميد الرازي وهو: ضعيف.
(٢) سنده ضعيف، لأن مالِكًا رواه بلاغًا.
(٣) وهو حديث ابن مسعود : "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثل =