للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)[السجدة] أي: يقولون ذلك حين لا ينفعهم ولا يجدي عنهم شيئًا، ولو كان هذا قبل معاينة العذاب لكان نافعًا لهم ومنقذًا من عذاب الله، ولهذا قال: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ أي: ما أسمعهم وأبصرهم (١) ﴿يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ يعني يوم القيامة ﴿لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ﴾ أي: في الدنيا ﴿فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي: لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون، فحيث يطلب منهم الهدى لا يهتدون ويكونون مطيعين حيث لا ينفعهم ذلك.

ثم قال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ أي: أنذر الخلائق يوم الحسرة ﴿إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ أي: فصل بين أهل الجنة وأهل النار وصار كل إلى ما صار إليه مخلدًا فيه، ﴿وَهُمْ﴾ أي: اليوم ﴿فِي غَفْلَةٍ﴾ عما أنذروا به يوم الحسرة والندامة ﴿وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي: لا يصدقون به.

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، يجاء بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟، قال: فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت" ثم قرأ رسول الله : ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٩)﴾ وأشار بيده، ثم قال: "أهل الدنيا في غفلة الدنيا" هكذا رواه الإمام أحمد (٢)، وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الأعمش به، ولفظهما قريب من ذلك (٣). وقد روى هذا الحديث [الحسن] (٤) بن عرفة: حدثني أسباط بن محمد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا مثله (٥)، وفي سنن ابن ماجه وغيره من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة نحوه (٦)، وهو في الصحيحين عن ابن عمر (٧).

رواه ابن جريج قال: قال ابن عباس .. فذكر من قبله نحوه (٨)، ورواه أيضًا عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير يقول في قصصه: يؤتى بالموت كأنه دابة فيذبح والناس ينظرون (٩).


(١) أخرج نحوه ابن أبي حاتم بسنده صحيح عن ابن عباس (ينظر: فتح الباري ٨/ ٢٣٧).
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وصحح سنده محققوه (المسند ١٧/ ١٢٠ ح ١١٠٦٦).
(٣) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ [مريم: ٣٩] (ح ٤٧٣٠)، وصحيح مسلم، الجنة، باب النار يدخلها الجبارون … (ح ٢٨٤٩).
(٤) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "المسد".
(٥) أخرجه الطبري من طريق أسباط بن محمد به.
(٦) سنن ابن ماجه، الزهد، باب صفة النار (ح ٤٣٢٧) وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن ابن ماجه ح ٣٤٩٣).
(٧) صحيح البخاري، الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب (ح ٦٥٤٤) وصحيح مسلم، الجنة، باب النار يدخلها الجبارون … (ح ٢٨٥٠).
(٨) أخرجه الطبري من طريق ابن جريج به، وسنده ضعيف لأن ابن جريج لم يلقَ ابن عباس، ويشهد له ما تقدم.
(٩) أخرجه الطبري من طريق ابن جريج عن أبيه، وسنده ضعيف لأن فيه الحسين، وهو ابن داود: ضعيف، =