للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن إسحاق: يعني دهرًا (١).

وقال الحسن البصري: زمانًا طويلًا (٢).

وقال السدي: ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قال: أبدًا (٣).

وقال علي بن أبي طلحة والعوفي، عن ابن عباس ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ قال: سويًا سالمًا قبل أن تصيبك مني عقوبة (٤)، وكذا قال الضحاك وقتادة وعطية الجدلي وأبو مالك وغيرهم (٥)، واختاره ابن جرير.

فعندها قال إبراهيم لأبيه: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ﴾ كما قال تعالى في صفة المؤمنين: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)[القصص].

ومعنى قول إبراهيم لأبيه: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ﴾ يعني: أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى وذلك لحرمة الأبوة ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ ولكن سأسال الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ قال ابن عباس وغيره: لطيفًا (٦)؛ أي: في أن هداني لعبادته والإخلاص له.

وقال قتادة ومجاهد وغيرهما ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ قال: عوَّده الإجابة (٧).

وقال السدي: الحفي: الذي يهتم بأمره، وقد استغفر إبراهيم لأبيه مدة طويلة وبعد أن هاجر إلى الشام، وبنى المسجد الحرام، وبعد أن ولد له إسماعيل وإسحاق في قوله: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١)[إبراهيم] وقد استغفر المسلمون لقراباتهم وأهليهم من المشركين في ابتداء الإسلام، وذلك اقتداء بإبراهيم الخليل في ذلك حتى أنزل الله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الممتحنة: ٤] يعني: إلا في هذا القول، فلا تتأسوا به، ثم بيّن تعالى أن إبراهيم أقلع عن ذلك ورجع عنه، فقال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ


(١) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الكريم، وهو الجزري عنه، وقول عكرمة أخرجه سفيان الثوري والطبري بسند صحيح من طريق أبي حصين عنه، وقول سعيد بن جبير أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي حصين عنه، وقول ابن إسحاق أخرجه الطبري بسند فيه ابن حميد، وهو محمد بن حميد الرازي، وهو ضعيف ويشهد له سابقه.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق قتادة عن الحسن.
(٣) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى برواية الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "اجتنبني سويًا".
(٥) قول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول عطية الجدلي أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق قرة بن خالد عنه.
(٦) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٧) قول مجاهد ذكره السيوطي في الدر المنثور وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.