للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤)[التوبة].

وقوله: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي﴾ أي أجتنبكم وأتبرأ منكم، ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله (وأدعو ربي) أي: وأعبد ربي وحده لا شريك له ﴿عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ وعسى: موجبة لا محالة، فإنه سيد الأنبياء بعد محمد .

﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)﴾.

يقول تعالى: فلما اعتزل الخليل أباه وقومه في الله، أبدله الله من هو خير منهم، ووهب له إسحاق ويعقوب؛ يعني: ابنه وابن إسحاق، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ [الأنبياء: ٧٢] وقال: ﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١] ولا خلاف أن إسحاق والد يعقوب، وهو نصُّ القرآن في سورة البقرة: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ [البقرة: ١٣٣] ولهذا إنما ذكر ههنا إسحاق ويعقوب؛ أي: جعلنا له نسلًا وعقبًا أنبياء أقرّ الله بهم عينه في حياته، ولهذا قال: ﴿وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ فلو لم يكن يعقوب قد نبئ في حياة إبراهيم لما اقتصر عليه ولذكر ولده يوسف، فإنه نبي أيضًا كما قال رسول الله في الحديث المتفق على صحته حين سئل عن خير الناس، فقال: "يوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله" (١)، وفي اللفظ الآخر: "إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم" (٢).

وقوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)﴾ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني: الثناء الحسن (٣)، وكذا قال السدي ومالك بن أنس، وقال ابن جرير: إنما قال: ﴿عَلِيًّا﴾ لأن جميع الملل والأديان يثنون عليهم ويمدحونهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (٤).

﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥١) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (٥٣)﴾.

لما ذكر تعالى إبراهيم الخليل وأثنى عليه، عطف بذكر الكليم، فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا﴾ قرأ بعضهم بكسر اللام (٥) من الإخلاص في العبادة. قال الثوري، عن


(١) صحيح البخاري، أحاديث الأنبياء، باب ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ. . .﴾ [البقرة: ١٣٣] (ح ٣٣٧٤)، وصحيح مسلم، الفضائل، باب فضائل يوسف (ح ٢٣٧٨).
(٢) أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمر (الصحيح، التفسير، باب ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ. . .﴾ [يوسف: ٦] ح ٤٦٨٨).
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٤) ذكره الطبري واستشهد له بالشعر.
(٥) وهي قراءة متواترة.