للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: ٢٠] أي: قد كانوا بشرًا من البشر يأكلون ويشربون مثل الناس، ويدخلون الأسواق للتكسب والتجارة وليس ذلك بضارٍّ لهم ولا ناقص منهم شيئًا، كما توهمه المشركون في قولهم: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨)[الفرقان].

وقوله: ﴿وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ أي: في الدنيا؛ بل كانوا يعيشون ثم يموتون ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله ﷿، تنزل عليهم الملائكة عن الله بما يحكمه في خلقه مما يأمر به وينهى عنه،

وقوله: ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ﴾ أي: الذي وعدهم ربهم ليهلكن الظالمين صدقهم الله وعده وفعل ذلك، ولهذا قال: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ﴾ أي: أتباعهم من المؤمنين ﴿وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ أي: المكذبين بما جاءت الرسل به.

﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٠) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (١٢) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (١٣) قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (١٤) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (١٥)﴾.

يقول تعالى منبِّهًا على شرف القرآن ومحرِّضًا لهم على معرفة قدره: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ قال ابن عباس: شرفكم (١).

وقال مجاهد: حديثكم (٢).

وقال الحسن: دينكم (٣).

﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أي: هذه النعمة، وتتلقونها بالقبول، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (٤٤)[الزخرف]،

وقوله: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً﴾ هذه صيغة تكثير، كما قال: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الإسراء: ١٧]، وقال تعالى: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥)[الحج].

وقوله: ﴿وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ أي: أمة أخرى بعدهم

﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾ أي: تيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة كما وعدهم نبيهم ﴿إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾ أي: يفرون هاربين

﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ﴾ هذا تهكُّم بهم نزرًا، أي قيل لهم: نزرًا لا تركضوا هاربين من نزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور والمعيشة والمساكن الطيبة.

قال قتادة: استهزاء بهم (٤).


(١) أخرجه البيهقي من طريق سليمان عن أبيه عن ابن عباس (شعب الإيمان رقم ١٦١٦)، ولم يسم والد سليمان.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) عزاه السيوطي إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.