للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال إسماعيل بن أبي خالد: سألت أبا صالح الحنفي عن قوله: ﴿أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ قال: كانت السماء واحدة ففتق منها سبع سماوات، وكانت الأرض واحدة ففتق منها سبع أرضين (١). وهكذا قال مجاهد، وزاد: ولم تكن السماء والأرض متماستين (٢).

وقال سعيد بن جبير: بل كانت السماء والأرض ملتزقتين، فلما رفع السماء وأبرز منها الأرض، كان ذلك فتقهما الذي ذكر الله في كتابه (٣).

وقال الحسن وقتادة: كانتا جميعًا ففصل بينهما بهذا الهواء (٤).

وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ أي: أصل كل الأحياء منه.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الجماهر، حدثنا سعيد بن [بشير] (٥)، حدثنا قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة أنه قال: يا نبي الله إذا رأيتك قرَّت عيني وطابت نفسي، فأخبرنا عن كل شيء قال: "كل شيء خلق من ماء" (٦).

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا همام، عن قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني، فأنبئني عن كل شيء، قال: "كل شيء خلق من ماء" قال: قلت: أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنة، قال: "أفشِ السلام، وأطعمِ الطعام، وصلِ الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام" (٧). ورواه أيضًا عن عبد الصمد وعفان وبهز، عن همام (٨)، تفرد به أحمد، وهذا إسناد على شرط الصحيحين إلا أن أبا ميمونة من رجال السنن واسمه سليم، والترمذي يصحح له، وقد رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة مرسلًا، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ أي: جبالًا أرسى الأرض بها وقررها وثقلها لئلا تميد بالناس؛ أي: تضطرب وتتحرك، فلا يحصل لهم قرار عليها؛ لأنها غامرة في الماء إلا مقدار الربع. فإنه باب للهواء والشمس ليشاهد أهلها السماء وما فيها من الآيات الباهرات والحكم والدلالات، ولهذا قال: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ أي: لئلا تميد بهم.

وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا﴾ أي: ثغرًا في الجبال يسلكون فيها طريقًا من قطر إلى قطر ومن إقليم إلى إقليم، كما هو المشاهد في الأرض يكون الجبل حائلًا بين هذه البلاد وهذه البلاد، فيجعل الله فيه فجوة ثغرة ليسلك الناس فيها من ههنا إلى ههنا، ولهذا قال: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾.


(١) أخرجه البستي بسند حسن من طريق مالك بن سعيد عن إسماعيل به.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى أبي الشيخ.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن الحسن وقتادة.
(٥) كذا في (ح) و (حم) وترجمته، وفي الأصل صُحف إلى: "سعيد بن نفير".
(٦) سنده ضعيف؛ لضعف سعيد بن بشير.
(٧) أخرجه الإمام بسنده ومتنه، وصحح سنده محققوه (المسند ١٣/ ٣١٤ ح ٧٩٣٢)، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا أبي ميمونة وهو ثقة (مجمع الزوائد ٥/ ١٦).
(٨) المسند ٢/ ٣٢٣، ٣٢٤.