للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من ادعى منهم أنه إله من دون الله؛ أي مع الله ﴿فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ أي: كل من قال ذلك، وهذا شرط، والشرط لا يلزم وقوعه، كقوله: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١)[الزخرف]، وقوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥].

﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)﴾.

يقول تعالى منبهًا على قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء وقهره لجميع المخلوقات، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: الجاحدون لإلهيته العابدون معه غيره، ألم يعلموا أن الله هو المستقل بالخلق المستبد بالتدبير، فكيف يليق أن يعبد معه غيره، أو يشرك به ما سواه؟ ألم يروا أن السماوات والأرض كانتا رتقًا؟ أي: كان الجميع متصلًا بعضه ببعض متلاصق متراكم بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففتق هذه من هذه، فجعل السماوات سبعًا، والأرض سبعًا، وفصل بين السماء الدنيا والأرض بالهواء، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض، ولهذا قال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي: وهم يشاهدون المخلوقات تحدث شيئًا فشيئًا عيانًا، وذلك كله دليل على وجود الصانع الفاعل المختار القادر على ما يشاء.

ففي كل شيء له آية … تدل على أنه واحد

قال سفيان الثوري، عن أبيه، عن عكرمة قال: سئل ابن عباس: الليل كان قبل أو النهار؟ فقال: أرأيتم السماوات والأرض حين كانتا رتقًا هل كان بينهما إلا ظلمة؟ ذلك لتعلموا أن الليل قبل النهار (١).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا حاتم، عن حمزة بن أبي محمد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أن رجلًا أتاه يسأله عن السماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما. قال: اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله، ثم تعال فأخبرني بما قال لك، قال: فذهب إلى ابن عباس فسأله فقال ابن عباس: نعم، كانت السماوات رتقًا لا تمطر، وكانت الأرض رتقًا لا تنبت، فلما خلق للأرض أهلًا فتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات، فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره، فقال ابن عمر: صدق هكذا كانت، فقال ابن عمر: قد كنت أقول ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن علمت أنه قد أوتي في القرآن علمًا (٢).

وقال عطية العوفي: كانت هذه رتقًا لا تمطر فأمطرت، وكانت هذه رتقًا لا تنبت فأنبتت (٣).


(١) أخرجه الثوري، ومن طريقه أخرجه عبد الرزاق والبستي والطبري، وسنده صحيح.
(٢) سنده ضعيف لضعف حمزة بن أبي محمد (التقريب ص ١٨٠).
(٣) سنده ضعيف لضعف الرواة عن عطية العوفي.