يقول تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ﴾ يا محمد ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ أي: دليلكم على ما تقولون ﴿هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ﴾ يعني: القرآن ﴿وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي﴾ يعني: الكتب المتقدمة على خلاف ما تقولون وتزعمون، فكل كتاب أُنزل على كل نبي أُرسل ناطق بأنه لا إله إلا الله، ولكن أنتم أيها المشركون لا تعلمون الحق فأنتم معرضون عنه، ولهذا قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)﴾ كما قال: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)﴾ [الزخرف]، وقال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، فكل نبي بعثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والفطرة شاهدة بذلك أيضًا، والمشركون لا برهان لهم، وحجتهم داحضة عند ربهم، وعليهم غضب، ولهم عذاب شديد.
يقول تعالى ردًّا على من زعم أن له تعالى وتقدس ولدًا من الملائكة، كمن قال ذلك من العرب: إن الملائكة بنات الله فقال: ﴿سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ أي: الملائكة عباد الله مكرمون عنده في منازل عالية ومقامات سامية، وهم له في غاية الطاعة قولًا وفعلًا ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧)﴾ أي: لا يتقدمون بين يديه بأمر ولا يخالفونه فيما أمرهم به؛ بل يبادرون إلى فعله، وهو تعالى علمه محيط بهم فلا يخفى عليه منهم خافية ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾.