للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ﴾ أي: نبين الحق فيدحض الباطل، ولهذا قال: ﴿فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ أي: ذاهب مضمحل ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ﴾ أي: أيها القائلون لله ولد ﴿مِمَّا تَصِفُونَ﴾ أي: تقولون وتفترون.

ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له ودأبهم في طاعته ليلًا ونهارًا، فقال: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ﴾ يعني: الملائكة ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ أي: لا يستنكفون عنها، كما قال: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (١٧٢)[النساء].

وقوله: ﴿وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ أي: لا يتعبون ولا يملون ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠)﴾ فهم دائبون في العمل ليلًا ونهارًا، مطيعون قصدًا وعملًا، قادرون عليه، كما قال تعالى: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن أبي دُلامة البغدادي، أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، عن حكيم بن حزام قال: بينا رسول الله بين أصحابه إذ قال لهم: "هل تسمعون ما أسمع؟ " قالوا: ما نسمع من شيء، فقال رسول الله : "إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم" (١) غريب، ولم يخرجوه، ثم رواه - أعني ابن أبي حاتم - من طريق يزيد بن [زريع] (٢)، عن سعيد، عن قتادة مرسلًا (٣). وقال محمد بن إسحاق، عن حسان بن مخارق، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام، فقلت له: أرأيت قول الله تعالى للملائكة: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠)﴾ أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل. فقال: من هذا الغلام؟ فقالوا: من بني عبد المطلب، قال: فقبل رأسي ثم قال: يا بني إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس؟ (٤) (٥).

﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)﴾.

ينكر تعالى على من اتخذ من دونه آلهة فقال: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١)﴾ أي: أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الأرض؛ أي: لا يقدرون على شيء من ذلك، فكيف جعلوها لله ندًا وعبدوها معه؟ ثم أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت السماوات والأرض، فقال: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ﴾ أي: في السماوات والأرض ﴿لَفَسَدَتَا﴾ كقوله تعالى: ﴿مَا


(١) في سنده عبد الوهاب بن عطاء، وهو الخفاف: صدوق ربما أخطأ (التقريب ص ٣٦٨)، وأظنه هو الذي رفعه، وإلا في الرواية التالية مرسلة.
(٢) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "رافع".
(٣) رجاله ثقات لكنه مرسل.
(٤) أخرجه الطبري من طريق يقوي أحدهما الآخر.
(٥) الروايات الثلاث وردت في الأصل في تفسير الآية التالية.