للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجبل؛ أي طرفه؛ أي: دخل في الدين على طرف، فإن وجد ما يحبه استقر وإلا انشمر (١).

وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن الحارث، حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ قال: كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلامًا ونتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثني أبي، عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبي فيسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن، قالوا: إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا: ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله على نبيه ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ (٣).

وقال العوفي، عن ابن عباس: كان أحدهم إذا قدم المدينة وهي أرض وبيئة، فإن صحَّ بها جسمه، ونتجت فرسه مهرًا حسنًا، وولدت امرأته غلامًا رضي به، واطمأن إليه، وقال: ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيرًا، ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾ والفتنة: البلاء؛ أي وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة، أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرًا، وذلك الفتنة (٤). وهكذا ذكر قتادة والضحاك وابن جريج وغير واحد من السلف في تفسير هذه الآية (٥). وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو المنافق إن صلحت له دنياه أقام على العبادة، وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت انقلب فلا يقيم على العبادة إلا لما صلح من دنياه، فإن أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق ترك دينه ورجع إلى الكفر (٦).

وقال مجاهد في قوله: ﴿انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ أي: ارتد كافرًا (٧).

وقوله: ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ أي: فلا هو حصل من الدنيا على شيء، وأما الآخرة فقد كفر بالله العظيم، فهو فيها في غاية الشقاء والإهانة، ولهذا قال تعالى: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ أي: هذه هي الخسارة العظيمة والصفقة الخاسرة.


(١) قول مجاهد أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٢) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ [الحج: ١١] (ح ٤٧٤٢).
(٣) في سنده جعفر بن أبي المغيرة فيه مقال، ويتقوى شطره الأول برواية الصحيح المتقدمة.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به، ويتقوى برواية الصحيح المتقدمة.
(٥) قول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، لكنه مرسل ويتقوى بسابقه، وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه لكنه معضل ويتقوى بما سبق، وقول ابن جريج أخرجه الطبري بسند ضعيف معضل.
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٧) أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.