للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ﴾ أي: من الأصنام والأنداد، يستغيث بها ويستنصرها ويسترزقها، وهي لا تنفعه ولا تضره ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾.

وقوله: ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾ أي: ضرره في الدنيا قبل الآخرة أقرب من نفعه فيها، وأما في الآخرة فضرره محقق متيقن.

وقوله: ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾ قال مجاهد: يعني: الوثن (١)؛ يعني: بئس هذا الذي دعاه من دون الله مولى؛ يعني: وليًا وناصرًا، ﴿وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾ وهو المخالط والمعاشر، واختار ابن جرير أن المراد لبئس ابن العم والصاحب ﴿مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ وقول مجاهد: إن المراد به الوثن، أولى وأقرب إلى سياق الكلام، والله أعلم.

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (١٤)﴾.

لما ذكر أهل الضلالة الأشقياء عطف بذكر الأبرار السعداء من الذين آمنوا بقلوبهم وصدقوا إيمانهم بأفعالهم، فعملوا الصالحات من جميع أنواع القربات، وتركوا المنكرات، فأورثهم ذلك سكنى الدرجات العاليات في روضان الجنات، ولما [ذكر] (٢) تعالى أنه أضلَّ أولئك وهدى هؤلاء قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾.

﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (١٥) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦)﴾.

قال ابن عباس: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدًا في الدنيا والآخرة، فليمدد بسبب؟ أي بحبل ﴿إِلَى السَّمَاءِ﴾ أي: سماء بيته ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ يقول: ثم ليختنق به (٣)، وكذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء وأبو الجوزاء وقتادة وغيرهم (٤).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ﴾ أي: ليتوصل إلى بلوغ السماء، فإن النصر إنما يأتي محمدًا من السماء ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ ذلك عنه إن قدر على ذلك (٥).

وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى وأبلغ في التهكم، فإن المعنى: من كان يظن أن الله ليس بناصر محمدًا وكتابه ودينه، فليذهب فليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه، فإن الله


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحفت إلى: "وتر".
(٣) أخرجه البستي والطبري والحاكم كلهم من طريق سفيان عن أبي إسحاق السبيعي عن التيمي، وهو أربدة، عن ابن عباس، وصححه الحاكم ووافقه الطبري (المستدرك ٢/ ٣٨٦).
(٤) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول عكرمة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي رجاء عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٥) نسبه السيوطي في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم.