للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حدثنا يعيش بن حسين، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله : "خلق الله جنة عدن بيده: لبنة من درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء؛ ملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ، وحشيشها الزعفران، ثم قال لها: انطقي، قالت: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)﴾ فقال الله: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل" ثم تلا رسول الله ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (١) [الحشر: ٩].

فقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)﴾ أي: قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح، وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)﴾.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿خَاشِعُونَ﴾ خائفون: ساكنون (٢)، وكذا روي عن مجاهد والحسن وقتادة والزهري (٣).

وعن علي بن أبي طالب : الخشوع خشوع القلب، وكذا قال إبراهيم النخعي (٤).

وقال الحسن البصري: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم وخفضوا الجناح (٥).

وقال محمد بن سيرين: كان أصحاب رسول الله يرفعون أبصارهم، إلى السماء في الصلاة، فلما نزلت هذه الآية: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١ ضض) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)﴾ خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم. قال محمد بن سيرين: وكانوا يقولون: لا يجاوز بصره مصلاه، فإن كان قد اعتاد النظر فليغمض، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (٦). ثم روى ابن جرير عنه، وعن عطاء بن أبي رباح أيضًا مرسلًا: أن رسول الله كان يفعل ذلك حتى نزلت هذه الآية.

والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها واشتغل بها عما عداها وآثرها على غيرها، وحينئذٍ تكون راحة له وقُرَّة عين، كما قال النبي في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي، عن أنس، عن رسول الله أنه قال: "حُبب إليّ: الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة" (٧).

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا مسعر، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد،


(١) أخرجه ابن أبي الدنيا بسنده ومتنه (صفة الجنة ح ٢٠)، وسنده ضعيف لضعف محمد بن زياد الكلبي كما في ميزان الاعتدال، وأخرجه الحاكم وصححه، وضعفه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٩٢).
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٣) قول الحسن أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق معمر عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق معمر عنه.
(٤) قول علي أخرجه عبد الله بن المبارك (الزهد برقم ١١٤٨)، والطبري بسند ضعيف من طريق رجل مبهم عنه، وأخرجه الحاكم من طريق صرح باسم الرجل المبهم، وهو عبيد الله بن أبي رافع عن علي وصححه، ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٣٩٣)، وقول إبراهيم النخعي أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين، وهو ابن داود: ضعيف، ويشهد له سابقه.
(٥) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق ابن شوذ، وهو عبد الله، عن الحسن البصري.
(٦) أخرجه البستي والطبري بسند رجاله ثقات عن محمد بن سيرين، لكنه مرسل.
(٧) (المسند ١٩/ ٣٠٥ ح ١٢٢٩٣)، وحسنه محققوه، وسنن النسائي ٧/ ٦١.