للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حَدَّثَنَا أحمد بن عبدة، حَدَّثَنَا حماد بن زيد، حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بن أبي بكر، عن أنس: أن رسول اللَّه قال: "إن اللَّه وكل بالرحم ملكًا، فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد اللَّه خلقها قال: أي رب، ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ قال: فذلك يكتب في بطن أمه" (١). أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد بن زيد به (٢).

وقوله: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ يعني: حين ذكر قدرته ولطفه في خلق هذه النطفة من حال إلى حال وشكل إلى شكل حتَّى تصورت إلى ما صارت إليه من الإنسان السوي الكامل الخلق، قال: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾.

قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا يونس بن حبيب، حَدَّثَنَا أبو داود، حَدَّثَنَا حماد بن سلمة، حَدَّثَنَا علي بن زيد، عن أنس قال: قال عمر -يعني: ابن الخطاب -: وافقت ربي ووافقني في أربع: نزلت هذه الآية ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ الآية، قلت أنا: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾، فنزلت: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ (٣).

وقال أيضًا: حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا آدم بن أبي إياس، حَدَّثَنَا شيبان، عن جابر الجعفي، عن عامر الشعبي، عن زيد بن ثابت الأنصاري قال: أملي علي رسول الله هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ إلى قوله: ﴿خَلْقًا آخَرَ﴾ فقال معاذ: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ فضحك رسول اللَّه ، فقال له معاذ: مم تضحك يا رسول اللَّه؟ فقال: "بها ختمت فتبارك اللَّه أحسن الخالقين" (٤)، وفي إسناده جابر بن يزيد الجعفي ضعيف جدًا، وفي خبره هذا نكارة شديدة، وذلك أن هذه السورة مكية، وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة، وكذلك إسلام معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة أيضًا، فالله أعلم.

وقوله: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ يعني: بعد هذه النشأة الأولى من العدم تصيرون إلى الموت ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ يعني: النشأة الآخرة ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾ [العنكبوت: ٢٠] يعني: يوم المعاد، وقيام الأرواح إلى الأجساد، فيحاسب الخلائق، ويوفّى كل عامل عمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (١٧)﴾.

لما ذكر تعالى خلق الإنسان، عطف بذكر خلق السموات السبع، وكثيرًا ما يذكر تعالى خلق السموات والأرض مع خلق الإنسان، كما قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧]، وهكذا في أول ﴿الم (١)﴾ السجدة التي كان رسول اللَّه يقرأ بها صبيحة يوم الجمعة في أولها خلق السموات والأرض، ثم بيان خلق الإنسان من سلالة من طين، وفيها أمر المعاد والجزاء وغير ذلك من المقاصد.


(١) سنده صحيح.
(٢) صحيح مسلم، القدر، باب كيفية الخلق الآدمي … (ح ٢٦٤٦).
(٣) سنده ضعيف لضعف علي بن زيد.
(٤) سنده ضعيف لضعف جابر الجعفي، كما قرر الحافظ ابن كثير، إذ ضعفه سندًا ومتنًا.